البلاغة والإعجاز البياني

لمسات بيانية من سورة البقرة صفحة رقم 2

الآية ﴿2﴾ : ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ دلالة استخدام اسم الإشارة للبعيد (ذَلِكَ) إشارة إلى علو مرتبته، وبُعْده عن الريب، وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله، وهذا نوع من تشريف الكتاب وتعظيمه، وقيل: إنه إشارة إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ، لأنه لما أراد ما بين أيدي الناس أشار إليه بالقريب: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].
﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ لم يقل: هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني؛ لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع المصالح.

الآية ﴿3﴾ : ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

﴿ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة؛ لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة؛ فإقامة الصلاة: إقامتها ظاهرًا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطنًا بإقامة روحها؛ وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ أتى بـ (من) الدالة على التبعيض؛ لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءًا يسيرًا من أموالهم، غير ضار لهم، ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم.
﴿ رَزَقْنَاهُمْ ﴾ في قوله: ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾ إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم؛ ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله أنعم به عليكم.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ عبر سبحانه بالنفقة، ولم يعبر بالزكاة؛ لأن النفقة أعم، فهو ينفق على نفسه، وعلى أهله، وعلى أقاربه، وينفق الزكاة وغيرها.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ولم يقل: (ينفقون من أموالهم)؛ فيدخل في ذلك جميع أنواع الانفاق، من نشر العلم، والدعوة، وكل أوجه الانفاق.

الآية ﴿4﴾ : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ قال تعالى: (يُؤْمِنُونَ) بصيغة المضارع، ولم يقل (آمنوا) بالماضي؛ لأن الإيمان هنا مستمر متجدد لا يطرأ عليه شك ولا ريبة.

الآية ﴿5﴾ : ﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

﴿ أُولَئِكَ ﴾ للبعيد كأن هؤلاء أصحاب مرتبة عليا، فيشار إليهم بفلاحهم وعلو منزلتهم، فالذي على هدى هو مستعلٍ.
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى ﴾ أتى بحرف الاستعلاء (عَلَى) لأنهم تمكنوا من الهداية والتوفيق، فكأنهم استعلوا وركبوا الهدى وتمكنوا منه, وهذه هي الهداية الكاملة التي يُسعى إليها.
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى ﴾ (على) دائمًا تأتي مع الهدى، و(في) تأتي مع الضلال: فـ (على) مقصود بها الاستعلاء، (على الهدى) يعني متمكن مبصر لما حوله، في الطريق ثابت عليه، أما (في) للظرفية، (في) معناه ساقط فيه، لما يقول: ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة 15] أي ساقطين فيه، والساقط في الشيء ليس كالمستعلي، ولذلك يستعمل (في) مع الريب والشك والطغيان والضلال.
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ جاء بـ (أولئك) للبعيد وبضمير الفصل (هم) وجاء بالتعريف (المفلحون)، فلم يقل (أولئك مفلحون)، ولم يقل (هم مفلحون) للحصر، فهؤلاء هم المفلحون حصرًا، ليس هنالك مفلح آخر.

رابط الوقفات التبدرية كاملة

سور القرآن الكريم - سورة البقرة

زر الذهاب إلى الأعلى