قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ } . رُوي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة : " وما يؤمن أكثرهم بالله في إقراره بأن الله خَلَقه وخَلَقَ السّماوات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوَثَن " . وقال الحسن : " هم أهل الكتاب معهم شِرْكٌ وإيمان " . وقيل : " ما يصدقون بعبادة الله إلا وهم يشركون الأوثان في العبادة " .
وقد دلت الآية على أن مع اليهوديّ إيماناً بموسى وكُفْراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها قد دلّت على أن الكفر والإيمان لا يتنافيان من وجهين مختلفين ، فيكون فيه كفر من وجه وإيمان من وجه ؛ إلا أنه لا يحصل اجتماعهما على جهة إطلاق اسم المؤمن واستحقاق ثواب الإيمان لأن ذلك ينافيه الكفر ، وكذلك قوله : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [ البقرة : 85 ] قد أثبت لهم الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض آخر ؛ فثبت بذلك جواز أن يكون معه كفر من وجه وإيمان من وجه آخر ، وغير جائز أن يجتمع له صفة مؤمن وكافر ؛ لأن صفة مؤمن على الإطلاق صفةُ مدح وصفَة كافرٍ صفةُ ذمٍّ ويتنافى استحقاق الصفتين معاً على الإطلاق في حال واحدة .