ثم قال تعالى : { فإنْ عُثِرَ عَلَى أنّهُمَا اسْتَحَقّا إثْماً }
يعني ظهور شيء من مال الميت في أيديهما بعد ذلك ، وهو جَامُ الفضة الذي ظهر في أيديهما من مال الميت ، فزعما أنهما كانا اشترياه من مال الميت . ثم قال تعالى : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُما } يعني في اليمين ، لأنهما صارا في هذه الحال مدعيين للشِّرَى ، فصارت اليمين على الورثة ، وعلى أنه لم يكن للميت إلاّ وارثان فكانا مُدَّعًى عليهما ، فلذلك استُحْلِفا ، ألا ترى أنه قال : { مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأُولَيَانِ فَيُقْسِمَانِ باللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } يعني أن هذه اليمين أوْلى من اليمين التي حلف بها الوصيان أنهما ما خانا ولا بدّلا ، لأن الوصيين صارا في هذه الحال مُدَّعِيَيْنِ وصار الوارثان مدَّعًى عليهما ، وقد كانا برئا في الظاهر بدياً بيمينهما فمضت شهادتهما على الوصية ، فلما ظهر في أيديهما شيءٌ من مال الميت صارت أيمان الوارثين أوْلى .
وقد اختُلف في تأويل قوله تعالى : { الأُولَيَانِ } ، فرُوي عن سعيد بن جبير قال : معنى الأولَيَانِ بالميت يعني الورثة ، وقيل : الأوْليان بالشهادة وهي الأيمان في هذا الموضع ؛ وليس في الآية دلالة على إيجاب اليمين على الشاهدين فيما شهدا به ، وإنما أوجبت اليمين عليهما لما ادّعَى الورثة عليهما الخيانة وأخْذَ شيء من تركة الميت ، فصار بعض ما ذكر في هذه الآيات من الشهادات أيماناً . وقال بعضهم : الشهادة على الوصية كالشهادة على الحقوق ، لقوله تعالى : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } لا محالة أُريد بها شهادات الحقوق ، لقوله : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } .
وقوله بعد ذلك : { فَيُقْسِمَانِ باللّهِ } لا يحتمل غير اليمين ، ثم قال : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأُولَيَانِ فَيُقْسِمَانِ باللهِ لَشَهَادَتُنَا } يعني بها اليمين ؛ لأن هذه أيمان الوارثين ، وقوله : { أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } يحتمل من يمينهما ويحتمل من شهادتهما ، لأن الوصيين قد كان منهما شهادة ويمين ، وصارت يمين الوارث أحقَّ من شهادة الوصيين ويمينها ، لأن شهادتهما لأنفسهما غير جائزة ويميناهما لم توجب تصحيح دعواهما في شراء ما ادّعيا شراه من الميت .