قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } . قال ابن عباس والسدي : " يعني في الميراث " . وقال قتادة : " في النصرة والمعاونة " ، وهو قول ابن إسحاق .
قال أبو بكر : لما كان قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وجَاهَدُوا } إلى قوله : { أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } موجباً لإثبات التوارث بالهجرة ، وكان قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } نافياً للميراث ، وجب أن يكون قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } موجباً لإثبات التوارث بينهم ؛ لأن الولاية قد صارت عبارة عن إثبات التوارث بينهم فاقتضى عمومه إثبات التوارث بين سائر الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم ؛ لأن الاسم يشملهم ويقع عليهم ؛ ولم تفرق الآية بين أهل الملل بعد أن يكونوا كفاراً . ويدل أيضاً على إثبات ولاية الكفار على أولادهم الصغار ، لاقتضاء اللفظ له في جواز النكاح والتصرف في المال في حال الصغر والجنون .
وقوله تعالى : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } يعني والله أعلم : إن لا تفعلوا ما أمرتم به في هاتين الآيتين من إيجاب الموالاة والتناصر والتوارث بالأخُوَّةِ والهجرة ومن قطعها بترك الهجرة تَكُنْ فتنةٌ في الأرض وفساد كبير . وهذا مخرجه مخرج الخبر ومعناه الأمر ؛ وذلك لأنه إذا لم يَتَوَلَّ المؤمن الفاضل على ظاهر حاله من الإيمان والفضل بما يدعو إلى مثل حاله ولم يتبرأ من الفاجر والضالّ بما يصرف عن ضلاله وفجوره أدَّى ذلك إلى الفساد والفتنة .