الْآيَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رُوِيَ أَنَّهُ تَفَاخَرَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ وَيَهُودِيٌّ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : «وَاَللَّهِ ، لَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا . فَقَالَ ثَابِتٌ : وَاَللَّهِ لَوْ كَتَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا لَفَعَلْنَا » .
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ : «قَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَوْ أُمِرْنَا لَفَعَلْنَا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : «إنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي » .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ مَالِكٌ : الْقَائِلُ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : حَرْفُ " لَوْ " تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَا كَانَ يَمْتَثِلُ ذَلِكَ فَتَرَكَهُ رِفْقًا بِنَا ؛ لِئَلَّا تَظْهَرَ مَعْصِيَتُنَا ، فَكَمْ مِنْ أَمْرٍ قَصَّرْنَا عَنْهُ مَعَ خِفَّتِهِ ، فَكَيْفَ بِهَذَا الْأَمْرِ مَعَ ثِقَلِهِ ؟ أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ تَرَكَ الْمُهَاجِرُونَ مَسَاكِنَهُمْ خَاوِيَةً وَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ بِهَا عِيشَةً رَاضِيَةً ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .