الْآيَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } .
الْآيَةُ فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ؛ وَفِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ أَشْبَهُهَا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْزُونٌ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا لِي أَرَاك مَحْزُونًا ؟ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ نَنْظُرُ فِي وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ ، وَغَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ ، فَلَا نَصِلُ إلَيْكَ ؛ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ فَبَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ » .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ، وَهُوَ يَصِفُ الْمَدِينَةَ وَفَضْلَهَا ، يُبْعَثُ مِنْهَا أَشْرَافُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَحَوْلَهَا الشُّهَدَاءُ أَهْلُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ ، ثُمَّ تَلَا مَالِكٌ هَذِهِ الْآيَةَ : { فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ عَلِيمًا } ؛ يُرِيدُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ : «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ » هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ فَضْلَهُمْ ، وَفَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْبِقَاعِ : مَكَّةَ و سِوَاهَا ، وَهَذَا فَضْلٌ مُخْتَصٌّ بِهَا ، وَلَهَا فَضَائِلُ سِوَاهَا بَيَّنَّاهَا فِي قَبَسِ الْمُوَطَّأِ ، وَفِي الْإِنْصَافِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ ؛ فَلْيُنْظَرْ فِي الْكِتَابَيْنِ .