على كل حال ،فإِنّ هؤلاء قد عبؤوا كل ما يملكون من قدرة ،وألقوا كل ما أتوا بهمعهم في وسط الحلبة: ( فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إِنّ الله سيبطله ) فأنتم أفراد فاسدون ومفسدون لأنّكم تخدمون حكومة جبارة وظالمة وتعملون على تقوية دعائم هذه الحكومة الغاشمة الدكتاتورية وهذا بنفسه أقوى دليل على كونكم مفسدين ،و( إِنّ الله لا يصلح عمل المفسدين ) .
في الواقع ،إِنّ كل إِنسان ذي عقل وعلم يستطيع أن يدرك هذه الحقيقة حتى قبل انتصار موسى على السحرة ،وهي أنّ عمل السحرة لا يقوم على أساس من الحق .لأنّه يصب في طريق تقوية دعائم الظلم والجور ،فأي شخص لم يكن يعلم أنّ فرعون غاصب وظالم ومفسد ؟ومعه ألا تعتبر خدمة مثل هذا الجهاز الحاكم مشاركة في ظلمه وفساده ؟وهل يمكن أن يكون عمل هؤلاء صحيحاً وإِلهياً ؟كلاّ مطلقاً ،وبناءً على هذا كان من الواضح أنّ الله سيبطل هذه المساعي المفسدة .
هل أنّ التعبير ب «سيبطله » دليل على أنّ السحر حقيقة واقعية ،إلاّ أنّ الله يبطله ؟أم أنّ المقصود من الجملة هو أنّ الله يكشف كون السحر باطلا ؟
إِنّ الآية ( 116 ) من سورة الأعراف تقول: إِنّ سحر السحرة قد أثر في أعين الناس فخوفوهم به: ( فلمّا ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم ) وهذا التعبير لا ينافي أن يكون هؤلاء قد أوجدوا نوعاً من الحركات الواقعية في تلك الحبال والعصي بواسطة سلسلة من الوسائل المرموزة كما وقع ذلك في المفهوم والمعنى اللغوي للسحر ،وخاصّة بالاستفادة من الخواص الفيزيائية والكيميائية للأجسام المختلفة ،إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ هذه الحبال والعصي لم تكن موجودات حيّة كما ظهرت أمام أعين الناس ،كما قال القرآن في سورة طه الآية ( 66 ): ( فإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِليه من سحرهم أنّها تسعى ) .بناء على هذا ،فإِنّ بعض تأثير السحر واقعي ،والبعض الآخر وهم وخيال .