وعلى أي حال كان لزاماً على الناس أن يؤمنوا بعد مشاهدتهم لعلائم الوحي وسماعهم لهذه النصائح الإلهيّة ،وأن يتراجعوا عن طريق الغيّ ،ولكن يا أيّها النّبي: ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) .
إنّ الوصف ب( الحرص ) هنا دليل على شوق ولهفة النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنّ يؤمن الناس ،ولكن ما الفائدة ،فإصراره وشوقه لم يكونا كافيين ،فمن شرط الإيمان الاستعداد والقابلية في نفس الشخص .
إنّ أبناء يعقوب ( عليه السلام ) كانوا يعيشون في بيت الوحي والنبوّة ،ومع ذلك نرى كيف عصفت بهم الأهواء حتّى كادوا أن يقتلوا أخاهم ،فكيف نتوقّع من جميع الناس أن يتغلّبوا على أهوائهم وشهواتهم مرّةً واحدة وبشكل جماعي ويؤمنوا بالله ؟
وهذه الآية بالإضافة إلى ما ذكرنا هي تسليةً لقلب النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتّى لا ييأس أبداً من إصرارهم على الكفر والذنوب ولا يستوحش الطريق لقلّة أصحابه ،كما نقرأ في آيات أُخرى من القرآن الكريم الكهف ( 6 ): ( لعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً )