/م69
وحينئذ أمر يوسف الموظفين والعمال بأنّ تنزل رحالهم من على ظهور الجمال ويفتح متاعهم وأن يبحثوا فيها واحداً بعد واحد ودون استثناء ،وتجنّباً عن انكشاف الخطّة أمر يوسف بأن يبدأوا البحث والتفتيش في أمتعة الإخوة أوّلا قبل أمتعة أخيه بنيامين ،لكنّهم وجدوه أخيراً في أمتعة بنيامين ( فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثمّ استخرجها من وعاء أخيه ) .
بعد أن عثر على الصاع في متاع بنيامين ،استولى الارتباك والدهشة على الإخوة ،وصعقتهم هذه الواقعة ورأوا أنفسهم في حيرة غريبة ،فمن جهة قام أخوهم بعمل قبيح وسرق صواع الملك ،وهذا يعود عليهم بالخزي والعار ،ومن جهة أُخرى انّ هذا العمل سوف يفقدهم اعتبارهم ونفوذهم عند الملك خصوصاً مع حاجتهم الشديدة إلى الطعام ،وإضافةً إلى كلّ هذا ،كيف يجيبون على استفسارات أبيهم ؟وكيف يقنعونه بذنب ابنه وعدم تقصيرهم في ذلك ؟
قال بعض المفسّرين: إنّه بعد أن عثر على الصاع توجّه الإخوة إلى بنيامين وعاتبوه عتاباً شديداً ،فقالوا له: ألا تخجل من فعلك القبيح قد فضحتنا وفضحت أباك يعقوب ،وآل يعقوب ..قل لنا كيف سرقت الصاع ووضعته في رحلك ؟
أجابهم بنيامين ببرودة ،حيث كان عالماً بالقضيّة وأسرارها: إنّ الذي قام بهذا العمل ووضع الصواع في رحلي ،هو نفسه الذي وضع الأموال في متاعكم في المرّة السابقة ،لكن الإخوة لم ينتبهوالهول الواقعة عليهملمغزى كلام بنيامين{[1885]} .
ثمّ يستمرّ القرآن الكريم ويبيّن كيف استطاع يوسف أن يأخذ أخاه بالخطّة التي رسمها الله له دون أن يثير في اُخوته أي نوع من المقاومة والرفض ( كذلك كدنا ليوسف ) .
والأمر المهمّ في هذه القضيّة هو أنّه لو أراد يوسف أن يعاقب أخاه بنيامين ،وطبقاً للقانون المصريلكان عليه أن يضرب أخاه ويودعه السجن لكن مثل هذه المعاملة كانت تخالف رغبات وأهداف يوسف للاحتفاظ بأخيه ،ومن هنا وقبل القبض على بنيامين ،سأل إخوته عن عقوبة السارق عندهم ،فاعترفوا عنده بأنّ السنة المتّبعة عندهم في معاقبة السارق أن يعمل السارق عند المعتدى عليه كالعبد .
لا ريب إنّ للعقوبة والجزاء طرقاً عديدة منها أن يعاقب المعتدي على طبق ما يعاقب به في قومه ،وهكذا عامل يوسف أخاه بنيامين ،وتوضيحاً لهذه الحالة وأنّ يوسف لم يكن بإمكانه أخذ أخيه طبقاً للدستور المصري يقول القرآن الكريم: ( وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) لكن الله سبحانه وتعالى يستثني بقوله: ( إلاّ أن يشاء الله ) وهو إشارة إلى أنّ ما فعله يوسف بأخيه لم يكن إلاّ بأمر منه سبحانه وتعالى وطبقاً لإرادته في الاحتفاظ ببنيامين ،واستمرارا لامتحان يعقوب وأولاده .
وأخيراً يضيف القرآن الكريم ويقول: إنّ الله سبحانه يرفع درجات من استطاع أن يفوز في الامتحان ويخرج مرفوع الرأس كما حدث ليوسف ( نرفع درجات من نشاء ) ولكن في كلّ الأحوال فانّ الله تعالى عليم يهدي الإنسان إلى سواء السبيل وهو الذي أوقع هذه الخطّة في قلب يوسف وألهمه إيّاها ( وفوق كلّ ذي علم عليم ) .
/خ76