التّفسير
رجوع الإخوة إلى أبيهم خائبين:
حاول الإخوة أن يستنقذوا أخاهم بنيامين بشتّى الطرق ،إلاّ أنّهم فشلوا في ذلك ،ورأوا أنّ جميع سبل النجاة قد سدّت في وجوههم ،فبعد أن فشلوا في تبرئة أخيهم وبعد أن رفض العزيز استعباد أحدهم بدل بنيامين ،استولى عليهم اليأس وصمّموا على الرجوع والعودة إلى كنعان لكي يخبروا أباهم ،يقول القرآن واصفاً إيّاهم ( فلمّا استيئسوا منه خلصوا نجيّاً ) أي إنّهم بعد أن يئسوا من عزيز مصر أو من إنقاذ أخيهم ،ابتعدوا عن الآخرين واجتمعوا في جانب وبدأوا بالتشاور والنجوى فيما بينهم .
قوله تعالى ( خلصوا ) بمعنى الخلوص ،وهو كناية عن الابتعاد عن الآخرين والاجتماع في جلسة خاصّة ،أمّا قوله تعالى «نجيّاً » فهو من مادّة ( المناجاة ) وأصله من ( نجوة ) بمعنى الربوة والأرض المرتفعة ،فباعتبار أنّ الربوات منعزلة عن أراضيها المجاورة ،سمّيت الجلسات الخاصّة البعيدة عن عيون الغرباء والحديث في السرّ قياساً عليها ب( النجوى ) فإذاً كلمة ( النجوى ) تطلق على الحديث السرّي والخاص سواء كانت في جلسة خصوصية أو في محاورة خاصّة بين اثنين لا يتعدّى سمعهما .
ذهب كثير من المفسّرين إلى أنّ جملة ( خلصوا نجيّاً ) تعدّ من أفصح العبارات في القرآن وأجملها حيث أنّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كلمتين اُموراً كثيرة يحتاج بيانها إلى عدّة جمل .
وفي ذلك الاجتماع الخاص خاطبهم الأخ الكبير قائلا: ( قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله ) بأن تردّوا إليه بنيامين سالماً ،فالآن بماذا تجيبونه ؟وقد سوّدنا صفحتنا في المرّة السابقة بما عاملنا به أخانا يوسف ( ومن قبل ما فرّطتم في يوسف ){[1886]} فالآن والحالة هكذافإنّني لا أغادر أرض مصر وسوف أعتصم فيها ( فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم الله وهو خير الحاكمين ) والظاهر أنّ قصده بحكم الله ،أمّا الموت الذي هو حكم إلهي ،أي لا أبرح من هذه الأرض حتّى أموت فيها ،وأمّا أن يفتح الله سبحانه وتعالى له سبيلا للنجاة ،أو عذراً مقبولا عند أبيه .
/خ82