الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول: ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إِنَّ الذينَ أوتوا العلم مِن قبله إِذا يُتلى عليهم يخرون للأذقان سجَّداً ) .
ملاحظات
في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية:
أوّلا: يعتقد المفسّرون أنَّ جملة ( آمنوا به أَو لا تؤمنوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه مُتعدِّدة ،إِذ قال بعضهم: إِن المعنى هو: سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإِعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق .
بينما قال البعض: إِنَّ التقدير يكون: سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإِنَّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم .
لكن يُحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مُكَمِّلَة لها ،وهي كناية عن أنَّ عدم الإِيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ،فلو كنتم تعلمون لآمنتم به .وبعبارة أُخرى: يكون المعنى: إِذا لم تؤمنوا به فإِنَّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون بهِ .
ثانياً: إِنَّ المقصود مِن ( الذين أوتوا العلم مِن قبله ) هُم مجموعة مِن علماء اليهود والنصارى مِن الذين آمنوا بعدَ أن سمعوا آيات القرآن ،وشاهدوا العلائم التي قرأوها في التوراة والإِنجيل ،والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ،وأصبحوا مِن علماء الإِسلام .
وفي آيات أُخرى مِن القرآن تمت الإِشارة إلى هذا الموضوع ،كما في قوله تعالى في الآية ( 113 ) مِن سورة آل عمران: ( ليسوا سواء مِن أهل الكتاب أُمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) .
ثالثاً: «يخرّون » بمعنى يسقطون على الأرض بدون إِرادتهم ،واستخدام هذه الكلمة بدلا مِن السجود ينطوي على إِشارة لطيفة ،هي أنَّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عندما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالق عز وجل ينجذبون إليه ويولهون به إلى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشيةً بدون وعي واختيار{[2263]} .
رابعاً: ( أذقان ) جمع ( ذقن ) ومن المعلوم أن ذقن الإِنسان عند السجودلا يلمس الأرض ،إِلاَّ أن تعبير الآية إِشارة إلى أنَّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنَّ ذقنهم قد يلمس الأرض عندَ السجود .
بعض المفسّرين احتمل أنَّ الإِنسان عندَ سجوده يضع أوّلا جبهتهُ على الأرض ،ولكن الشخص المدهوش عندما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ،فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيداً لمعنى ( يخرون ){[2264]} .