/م78
«دلوك الشمس » يعني زوال الشمس مِن دائرة نصف النهار والتي يتحدَّد معها وقت الظهر .وفي الأصل فإِنَّ ( دلوك ) مأخوذة مِن ( دَلكَ ) حيثُ أنَّ الإِنسان يقوم بُِدَلك عينيه في ذلك الوقت لشدّة ضوء لشمس .أو أنَّ كلمة ( دلك ) تعني ( المَيْل ) حيثُ أنَّ الشمس تميل مِن دائرة نصف النهار مِن طرف المغرب .أو أنّها تعني أنَّ الإنسان يضع يده في قبال الشمس حيث يقال بأنَّ الشخص يمنع النور عن عينيه ويميله عنه .
على أي حال ،في الرّواية التي وصلتنا عن أهلِ البيت( عليهم السلام ) توضح لنا أنّ معنى ( دلوك ) هُوَ زوال الشمس .فقد روى العاملي في ( وسائل الشيعة ) أنَّ عُبيد بن زُرارة سَأل الإِمام الصادق( عليه السلام ) عن تفسير الآية فقال( عليه السلام ): «إِنَّ الله افترض أربع صلوات أوَّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل ،مِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ،إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه ،ومِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن غروب الشمس إلى انتصاف الليل إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه »{[2228]} .
وفي رواية أُخرى رواها المحدّث الكبير ( زرارة بن أعين ) عن الإِمام الباقر( عليه السلام ) ،في تفسير الآية قال( عليه السلام ): «دلوكها زوالها ،وغسق الليل إلى نصف الليل ،ذلك أربع صلوات وَضعهنَّ رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وَوَقَتَهُنَّ للناس ،وقرآن الفجر صلاة الغداة »{[2229]} .
لكن وضع بعض المفسّرين احتمالات أُخرى لمعنى ( دلوك ) إِلاَّ أنّا آثرنا تركها لأنّها لا تستحق الذكر .
وأمّا ( غسق الليل ) فإِنّها تعني مُنتصف الليل ،حيثُ أنَّ ( غسق ) تعني الظلمة الشديدة ،وأكثر ما يكون الليل ظلمةً في مُنتصفه .
أمّا ( قرآن ) فهي تعني كلاماً يُقرأ .و( قرآن الفجر ) هُنا تعني صلاة الفجر .
وبهذا الدليل تعتبر هذه الآية مِن الآيات التي تُشير بشكل إِجمالي إلى أوقات الصلوات الخمس .ومع أخذ الآيات القرآنية الأُخرى بنظر الاعتبار في مجال وقت الصلوات والرّوايات الكثيرة الواردة في هذا الشأن ،يُمكن تحديد أوقات الصلوات الخمس بشكل دقيق .
ويجب الانتباه هُنا إلى أنَّ بعض الآيات تشير إلى صلاة واحدة فقط ،كقوله تعالى: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ){[2230]} .حيثُ ( الصلاة الوسطى ) وفقاً لأصح التفاسير هي صلاة الظهر .
وفي بعض الأحيان تشير الآية إلى ثلاث صلوات من الصلوات الخمس كما في الآية ( 114 ) مِن سورة هود ،في قوله تعالى: ( وأقم الصلاة طَرفي النهار وزلفاً مِن الليل ) .حيث يشير تعبير ( طرفي النهار ) إلى صلاتي الصبح والمغرب ،وأمّا ( زُلفاً من الليل ) فهي إِشارة إلى صلاة العشاء .
وفي بعض الأحيان تشير الآية إلى الصلوات الخمس بشكل إِجمالي ،كما في الآية التي نبحثها ( راجع للمزيد من التوضيح نهاية تفسير الآية ( 114 ) مِن سورة هود ) .
على أي حال ،لا يوجد ثمّة شك في أنَّ هذه الآيات لم توّضح جزئيات أوقات الصلاة ،بل تشير إلى الكليات والخطوط العامّة ،مثلها مثل الكثير مِن الأحكام الإِسلامية الأُخرى ،أمّا التفاصيل فإِنّها وردت في سنة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )والأئمّة الصادقين مِن أهل بيته( عليهم السلام ) .
الآية بعد ذلك تقول: ( إِن قرآن الفجر كانَ مشهوداً ) وهُنا يطرح سؤال حول هوية الذي يقوم بالمشاهدة ،مَن هو يا ترى ؟الرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية تقول إِنَّ ملائكة الليل والنهار هي التي تُشاهد ،لأنَّهُ في بداية الصباح تأتي ملائكة النهار لتحل محل ملائكة الليل التي كانت تُراقب العباد ،وحيثُ أنَّ صلاة الصبح هي في أوّل وقت الطلوع ،لذلك فإِنَّ المجموعتين من الملائكة تشاهدها وتشهد عليها .
والرّوايات في هذه المجال نقلها علماء الشيعة والسنّة .
فمثلا ينقل أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وفقاً لما نقله عنهم صاحب تفسير ( روح المعاني ) أثناء تفسير الآية قولهم عَنهُ( صلى الله عليه وآله وسلم ): «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار »{[2231]} .
أمّا البخاري ومسلم فقد نقلا نفس هذا المعنى في صحيحيهما وفقاً لما نقلهُ عنهم صاحب تفسير ( روح المعاني ) في المجلد الخامس عشر ،صفحة ( 126 ) مِن تفسيره .
ولمزيد الإِطلاع على الأحاديث المروية عن أهل البيت( عليهم السلام ) في هذا المورد يمكن مُراجعة المجلد الثّالث مِن تفسير ( نور الثقلين ) في نهاية حديثه عن الآية الكريمة .
ومن هُنا يتّضح أنَّ أفضل وقت لأداء صلاة الصبح هي اللحظات الأُولى لطلوع الفجر .
/خ81