ثمّ يأتي الجواب بدون أي توقف حتى لا يبقى المستمع في حيرة ،فتقول: ( الذين ضلَّ سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ) .
مفهوم الخسران لا ينطبق على خسران الأرباح وحسب ،بل إِنَّ الخسران الواقعي هو خسران أصل رأس المال ،وهل هناك رأس مال أربح وأفضل وأحسن مِن العقل والذكاء والطاقات الإِلهية الموهوبة للإِنسان مِن عمر وشباب وصحة ؟
إِنَّ نتاج كل هذه المواهب هي أعمال الإِنسان ،وأعمال الإِنسان هي في الواقع انعكاس وتجسيد لطاقاتنا وقدراتنا .
عندما تتحوَّل هذه الطاقات إلى أعمال مخرَّبة أو غير هادفة ،فكأنّها قد فنيت أو ضاعت ،فهي كمثل الإِنسان الذي يحمل ثروة عظيمة معهُ ،ولكنَّهُ أثناء ذهابه إلى السوق يفقد هذه الثروة ويعود بيد خالية .
وقد لا يكون الخسران خسراناً خطيراً عندما يتعلّم الإِنسان مِن فقدان الثروة دروساً كبيرة قد تكون في قيمتها مساوية للثروة التي فقدها ،أو أكثر قيمة مِنها في بعضِ الأحيان ،فكأنّه لم يخسر شيئاً .
إِلاَّ أنَّ الخسران الحقيقي والمضاعف هو أن يفقد الإِنسان رأسماله المادي والمعنوي في مسالك خاطئة ومجالات منحرفة ويظن أنَّهُ أحسن العمل ،فهو في هذه الحالة لم يحصل على ثمرة لعمله ،وفي نفس الوقت لم يلتفت إلى ما هو فيه ،فيكرِّر العمل .
الجميل هنا ،إِنَّ القرآن الكريم استخدم تعبير ( الأخسرين أعمالا ) في حين أنّ المفروض هو القول: «الأخسرين عملا » ( لأنَّ التمييز مفرد عادة ) ولكن لعل هذه الصياغة القرآنية بسبب أنّهم لم يخسروا في عمل معين ،بل إِنَّ جهلهم المركب كانَ سبباً للخسران في جميع البرامج الحياتية وفي جميع أعمالهم .
بعبارة أُخرى: إِنَّ الإِنسان قد يربح في تجارة معينة ويخسر في أُخرى ،إِلاَّ أنَّ المحصلة في نهاية السنة هي أنَّهُ لا توجد خسارة كبيرة ،ولكن مِن سوء حظ الإِنسان أن يخسر في جميع الأعمال التي اشترك فيها .
استخدم كلمة «ضلَّ » لعله إِشارة إلى هذه الحقيقة ؛وهي أنَّ أعمال الإِنسانلا تفني في هذا العالم بأي صورة مِن الصور ،كما أنَّ المادة والطاقة تتبدّل وتتغيّر ولكنَّها لا تفنى ،ولكن قد تختفي أحياناً ،لأنَّهُ لا يمكن مشاهدة آثارها بالعين ،ولا يمكن الاستفادة مِنها بأي شكل مِن الأشكال ومثلها في ذلك مثل رأس المال الضائع والذي لا هو في حوزتنا فنستفيد مِنهُ ،ولا هو فان .
أمّا لماذا يُصاب الإِنسان نفسياً بمثل هذه الحالات ؟فهو أمرٌ سنبحث فيه مفصلا في فقرة البحوث .
/خ108