الآية التالية تأمر المسلمين بحكمين هامّين: إقامة الصلاة باعتبارها رمز إرتباط الإِنسان بالله ،وإيتاء الزكاة وهي أيضاً رمز التكافل بين أبناء الأمة المسلمة ،وكلاهما ضروريان لتحقيق الإِنتصار على العدو:{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَأَتُوا الزَّكَاةَ} .
ثم تؤكّد الآية على خلود العمل الصالح وبقائه:{وَمَا تُقَدِّمُوا لاَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ} .والله سبحانه عالم بالسرائر ،ويعلم دوافع الأعمال ،ولا يضيع عنده أجر العاملين{إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
1«اصفحوا » من «صفح » ،وصفح الشيء عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر ،والأمر بالصفح هو الأمر بالإِعراض ،لكنّ عطفها على «فَاعْفُوا » يفهم أنه أمر بالإِعراض لا عن جفاء ،بل عن عفو وسماح .
وهذا التعبير يوحي أيضاً أن المسلمين كانت لهم قدرة المقابلة وعدم الصفح ،لكن الأمر بالعفو والصفح يستهدف اتمام الحجّة على العدوّ ،كي يهتدي من هو قابل للإِصلاح .بعبارة أخرى: ممارسة القوّة ليست المرحلة الأولى في مواجهة العدوّ ،بل العفو والصفح ،فإن لم يُجد نفعاً فالسيف .
2عبارة{إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} قد تشير إلى أن الله قادر على أن ينصر المسلمين على أعدائهم بطرق غيبية ،ولكن طبيعة حياة البشر والكون قائمة على أن الأعمال لا تتم إلاّ بالتدريج وبعد توفّر المقدمات .
3عبارة{حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} قد تكون إشارة إلى توغل هؤلاء الحسدة في ذاتياتهم ،فالحسد قد يتخذ أحياناً طابع الدين والرسالة ،لكن حسد هؤلاء لم يكن له حتى هذا الظاهر ،بل كان ضيقاً شخصياً{[187]} .
ويحتمل أيضاً أن تكون إشارة إلى أن الحسد متجذّر في نفوسهم .