التّفسير
نجاة نوح من القوم الكافرين:
بعد ذكر جانب من قصّة إبراهيم وقصّة لوط( عليهما السلام ) ،تطرّقت السورة إلى ذكر جانب من قصّة نبي آخر من الأنبياء الكبارأي نوح ( عليه السلام )فقالت: ( ونوحاً إذ نادى من قبل ) أي قبل إبراهيم ولوط .
إنّ هذا النداءظاهراًإشارة إلى الدعاء واللعنة التي ذكرت في سورة نوح من القرآن الكريم حيث يقول: ( ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً .إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجراً كفّاراً ){[2542]} .أو إنّه إشارة إلى الجملة التي وردت في الآية 10/سورة القمر: ( فدعا ربّه إنّي مغلوب فانتصر ) .
التعبير ب«نادى » يأتي عادةً بمعنى الدعاء بصوت عال ،ولعلّه إشارة إلى أنّهم آذوا هذا النّبي الجليل إلى درجة جعلته يصرخ منادياً ربّه ليدركه وينجّيه من أذاهم وشرّهم ،ولو أمعنا النظر في أحوال نوح الواردة في سورة نوح وسورة هود لوجدنا أنّه كان محقّاً أن يرفع صوته ويدعو ربّه سبحانه{[2543]} .
ثمّ تضيف الآية: ( فاستجبنا له فنجّيناه وأهله من الكرب العظيم ) وفي الحقيقة فإنّ جملة «فاستجبنا » إشارة مجملة إلى استجابة دعوته ،وجملة ( فنجّيناه وأهله من الكرب العظيم ) تعتبر شرحاً وتفصيلا لها .
وهناك اختلاف بين المفسّرين في المراد من كلمة ( أهل ) هنا ،لأنّه إذا كان المراد منها عائلته وأهل بيته فستشمل بعض أبناء نوح ،لأنّ واحداً من أولاده تخلّف عنه مع المسيئين وأضاع بُنوته لعائلته ،وكذلك لم تكن زوجته مؤمنة به .وإن كان المراد من الأهل خواص أتباعه وأصحابه المؤمنين ،فإنّها على خلاف المعنى المشهور للأهل .
لكن يمكن أن يقال: إنّ للأهلهنامعنى وسيعاً يشمل أهله المؤمنين وخواص أصحابه ،لأنّا نقرأ في حقّ ابنه الذي لم يتبعه: ( إنّه ليس من أهلك ){[2544]} وعلى هذا فإنّ الذين اعتنقوا دين نوح يعدّون في الواقع من عائلته وأهله .
وينبغي ذكر هذه الملاحظة أيضاً ،وهي: إنّ «الكرب » في اللغة تعني الغمّ الشديد ،وهي في الأصل مأخوذة من تقليب الأرض وحفرها ،لأنّ الغمّ الشديد يقلب قلب الإنسان ،ووصفه بالعظيم يكشف عن منتهى كربه وأساه .
وأيُّ كرب أعظم من أن يدعو قومه إلى دين الحقّ ( 950 ) عاماً ،كما صرّح القرآن بذلك ،لكن لم يؤمن به خلال هذه المدّة الطويلة إلاّ ثمانون شخصاً على المشهور بين المفسّرين{[2545]} ،وأمّا عمل الآخرين فلم يكن غير السخرية والاستهزاء والأذى .
/خ77