كما أنّهم لو كانوا مع هذه الحال يبصرون بأعينهم لاهتدوا إلى الصراط المستقيم ،ولو ببعض العلامات ،إلاّ أنّهم عميٌ ( وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ) .
وهكذا فقد أوصدت جميع طرق إدراك الحقيقة بوجوههم ،فقلوبهم ميتة ،وآذانهم صمٌّ موقرة ،وأعينهم عميٌ !
فأنت يا رسول الله ( إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) ويشعرون في أنفسهم بالإذعان للحق .
وفي الحقيقة إن الآيتينآنفتي الذكرتتحدثان عن مجموعة واضحة من عوامل المعرفة وارتباط الإنسان بالعالم الخارجي وهي:
«حس التشخيص » ،والعقل اليقظ ،في مقابل القلب الميت .
«الأذن الصاغية » لاكتساب الكلام الحق ،عن طريق السمع .
«والعين الباصرة » لرؤية وجه الحق ووجه الباطل ،عن طريق البصر .
إلاّ أن العناد واللجاجة والتقليد الأعمى والذنب ...كلها تعمي العين التي بها يرى الإنسان الحقيقة ،وتوفر سمعه ،وتميت قلبه .
ومثل هؤلاء المعاندين المذنبين ،لو جاء جميع الأنبياء والأولياء والملائكة لهدايتهم ،لما أثّروا فيهم شيئاً ،لأنّ ارتباطهم بالعالم الخارجي مقطوع ،وهم غارقون في «مستنقع ذواتهم » فحسب !.
ونظير هذا التعبير ورد في سورة البقرة وسورة الروم وسور أخرى من القرآن ( وكان لنا بحث آخر في نعمة «وسائل المعرفة »في تفسير سورة النحل ذيلالآية 78 .
و مرّة أُخرى نذكّر بهذه اللطيفة وهي أنّ المراد من الإيمان والتسليم ليس معناه أنّهم قبلوا حقائق الدين من قبل ،فيكون من باب تحصيل الحاصل ،بل الهدف من ذلك أن الإنسان إذا لم يكن فيه شوق للحق وخضوع لأمر الله ،فإنه لايصغي إلى كلام النّبي أبداً .
/خ81