تقرر هذه الآية أنّ مقياس الشخصية والقيمة الإنسانية ومحبّة الله يتمثّل في الوفاء بالعهد وفي عدم خيانة الأمانة خاصّة ،وفي التقوى بشكل عامّ ،أجل ،إن الله يحب هؤلاء ،لا الخونة الكذابين الذين يبيحون لأنفسهم غصب حقوق الآخرين ويتجرؤون كذلك على نسبتها إلى الله تعالى .
بحث
1اعتراض:
قد يقول قائل إنّ الإسلام قرّر أيضاً مثل هذا الحكم بالنسبة لأموال الأجانب ،إذ أنّه يجيز الاستيلاء على أموالهم .
الجواب:
إنّ اتّهام الإسلام بهذا افتراء لاشكّ فيه ،إذ أنّ من أحكام الإسلام القاطعة الواردة في كثير من الأحاديث ،هو «ليس من الجائز خيانة الأمانة سواء أكانت الأمانة تخصّ مسلماً أم غير مسلم ،وحتّى المشرك وعابد الأصنام » .
في حديث معروف عن الإمام السجاد ( عليه السلام ) قال: «عليكم بأداء الأمانة ،فوالذي بعث محمّداً بالحقّ نبياً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدّيته إليه »{[600]} .
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال: «إنّ الله لم يبعث نبيّاً قط إلاَّ بصدق الحديث وأداء الأمانة مؤدّاه إلى البرّ والفاجر »{[601]} .
بناءً على ذلك فإنّ ما جاء في هذه الآية عن اليهود وخيانتهم الأمانة ومنطقهم في تسويغ تلك الخيانة لم يسمح به الإسلام بأيّ شكل من الأشكال ،فالمسلمون مكلّفون أن لا يخونوا الأمانة في جميع الأحوال .
2كلمة «بلى » تستعمل في اللغة العربية ردّاً على النفي أو جواباً على استفهام مقترن بالنفي ،كقوله تعالى: ( ألستُ بربكم قالوا بلى ){[602]}و ( نعم ) جواباً للإستفهام المثبت ،مثل ( فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً قالوا نعم ){[603]} .