واستثنى وصف عباده المخلصين الذين وصفوه عن علم ومعرفة ودراية حيث وصفوه بما يليق بذاته المقدّسة ،قال تعالى:{إلاّ عباد الله المخلصين} .
وبهذا الشكل فإنّ من النادر أن نسمع اُناساً عاديين يصفون الله سبحانه وتعالى وصفاً لائقاً ،كما يصفه عباده المخلصون ،العباد الخالصون من كلّ أشكال الشرك وهوى النفس والجهل والضلال ،والذين لا يصفون الباري عز وجل إلاّ بما سمح لهم به .
وحول عبارة ( عباد الله المخلصين ) فقد كان لنا بحث في نهاية الآية ( 128 ) من هذه السورة .
نعم ،فلمعرفة الله لا ينبغي اتّباع الخرافات الواردة عن أقوام الجاهلية التي يخجل الإنسان من ذكرها ،بل يجب اتّباع العباد المخلصين الذين يتحدّثون بأحاديث تجعل روح الإنسان محلّقة في عنان السماء ،وتذيبها في أنوار الوحدانية ،وتطهّر القلب من كلّ شائبة شرك ،وتمحو كلّ تجسيم وتشبيه لله من ذهن الإنسان .
ينبغي لنا مراجعة كلمات الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ،وأدعية الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في صحيفته ،كي نستنير بضياء وصفهم له جلّ وعلا .
فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،يقول في إحدى كلماته: «لم يطلع العقول على تحديد صفته ،ولم يحجبها عن واجب معرفته ،فهو الذي تشهد له أعلام الوجود ،على إقرار قلب ذي الجحود ،تعالى الله عمّا يقوله المشبهون والجاحدون له علوّاً كبيراً .
وفي مكان آخر يصف الله عز وجل بالقول: «لا تناله الأوهام فتقدّره ،ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره ،ولا تدركه الحواس فتحسّه ،ولا تلمسه الأيدي فتمسّه ،ولا يتغيّر بحال ،ولا يتبدّل في الأحوال ،ولا تبليه الليالي والأيّام ،ولا يغيّره الضياء والظلام ،ولا يوصف بشيء من الأجزاء ،ولا بالجوارح والأعضاء ،ولا بعرض من الأعراض ،ولا بالغيرية والأبعاض ،ولا يقال له حدّ ولا نهاية ،ولا انقطاعولا غاية » .
وفي مكان ثالث يقول: «ومن قال فيم ؟فقد ضمنه ،ومن قال علام ؟فقد أخلى منه ،كائن لا عن حدث ،موجود لا عن عدم ،مع كلّ شيء لا بمقارنة ،وغير كلّ شيء لا بمزايلة » .
أمّا الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) ،فقد قال في صحيفته السجّادية: «الحمد لله الأوّل بلا أوّل كان قبله ،والآخر بلا آخر يكون بعده ،الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين » .
نعم ،فلمعرفة الله جيّداً علينا مراجعة نهج هؤلاء ( عباد الله المخلصين ) ودراسة علوم معرفة الله في مدارسهم .