/م101
التّفسير
الأسئلة الفضولية:
لاشك أنّ السّؤال مفتاح المعرفة ،ولذلك من قلّت أسئلته قلت معرفته ،وفي القرآن وفي الرّوايات الكثير من التوكيد على الناس أن يسألوا عمّا لا يعرفون ،ولكن لكل قاعدة استثناء ،ولهذا المبدأ التربوي الأساس استثناءاته أيضاً ،منها أن هناك أحياناً بعض المسائل التي يكون إِخفاؤها أفضل لحفظ النظام الاجتماعي ولمصلحة أفراد المجتمع ،ففي أمثال هذه الحالات لا يكون الإِلحاح في السؤال عنها والسعي لكشف النقاب عن حقيقتها بعيداً عن الفضيلة فحسب ،بل يكون مذموماً أيضاً مثلا:
يرى معظم الأطباء ضرورة كتمان الأمراض الصعبة الشفاء والمخيفة عن المريض نفسه ،وقد يخبرون أهله شريطة أنّ يلتزموا كتمان الأمر عن المريض ،والسبب هو أن التجارب قد دلت على أنّ المريض إِذا عرف أنّ مرضه لا يشفى بسرعة انتابه الرعب والهلع وقد يؤخر ذلك شفاءه ،إِن لم يكن مرضه مهلكاً فعلى المريض أنّ لا يلح في القاء الأسئلة على طبيبه العطوف ،لأنّ هذا الإِلحاح قد يحرج الطبيب ،فيصرّح للمريض بما لا ينبغي أنّ يصارحه به تخلصاً من هذا الإِصرار واللجاج .
كذلك الناس عموماً ،فهم في التعامل فيما بينهم يحتاجون إلى أن يحسن بعضهم الظن ببعض ،فللحفاظ على هذا الرصيد الهام ،خير لهم ألاّ يعرفوا خفايا الآخرين ،إِذ أن لكل امرئ نقاط ضعيفة ،فانكشاف نقاط ضعف الناس يضرّ بالتعاون فيما بينهم فقد يكون امرؤ ذو شخصية مؤثرة قد ولد في عائلة واطئة ومنحطة ،وإِذا انكشف هذا فقد تتزلزل آثاره الوجودية في المجتمع ،لذلك ينبغي على الناس ألا يلحوا في السؤال والتفتيش في هذا المجال .
كما أنّ الكثير من الخطط والمناهج الاجتماعية يلزمها الكتمان حتى يتمّ تنفيذها ،فالإِعلان عنها يعتبر ضربة تؤخر سرعة إِنجاز العمل .
هذه وأمثالها نماذج لما لا يصح فيه الإِلحاح في السؤال ،وعلى القادة أن لا يفشوا أمثال هذه الأسرار ما لم يقعوا تحت ضغط شديد .
والقرآن في هذه الآية يشير إلى الموضوع نفسه ويقول: ( يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إِن تبد لكم تسؤكم ) .
ولكن الحاح بعض الناس بالسؤال من جهة ،وعدم الإِجابة على أسئلتهم من جهة أُخرى ،قد يثير الشكوك والريب عند الآخرين بحيث يؤدي الأمر إلى مفاسد أكثر ،لذلك تقول الآية: ( وإِن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) فيشق عليكم الأمر .
أمّا قصر افشائها على وقت نزول القرآن ،فذلك لأنّ تلك التساؤلات كانت متعلقة بمسائل ينبغي أن تنزل أجوبتها عن طريق الوحي .
ثمّ لا تحسبوا الله غافلا عن ذكر بعض الأُمور إِن سكت عنها ،فقد ( عفا الله عنها والله غفور حليم ) .
يقول علي( عليه السلام ): «إِنَّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها ،وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ،ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ،وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها »{[1122]} .
سؤال:
قد يسأل سائل: إِذا كان إِفشاء هذه الأُمور يتعارض مع مصلحة الناس ،فلماذا يماط اللثام عنها على أثر الإلحاح ؟
الجواب:
السبب هو ما قلناه من قبل ،فالقائد إِذا لزم الصمت رغم الإِلحاح بالسؤال ،فقد تنجم عن ذلك مفاسد أخطر ،ويثار سوء ظن يشوب أذهان الناس ،مثل صمت الطبيب إِزاء الحاح المريض في السؤال عن مرضه ،فإن ذلك يثير شكوك المريض ،وقد يحمله على الظن بأن الطبيب لم يشخص مرضه بعد ،فيهمل استعمال ما يصفه له من علاج ،عندئذ لا يسع الطبيب إِلاّ أن يفشي له سرّ مرضه ،ولو سبب له ذلك بعض المشاكل .
/خ102