قوله تعالى:
( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )
قال الطبري: "حدثني المثنى ،قال: حدثنا عبد الله بن صالح ،قال: حدثني معاوية بن صالح ،عن علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس: ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) ،قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو بمكة ،خافٍ على أصحابه من المشركين ،فبعث جعفر بن أبي طالب ،وابن مسعود ،وعثمان بن مظعون ،في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة ،فلما بلغ ذلك المشركين ،بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم ،ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ،فقالوا: إنه خرج فينا رجلٌ سفَّه عقولَ قريش وأحلامَها ،زعم أنه نبيٌّ ،وإنه بعث إليك رهطا ،ليفسدوا عليك قومك ،فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم ،قال: إن جاؤوني نظرت فيما يقولون .فقدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمُّوا باب النجاشي ،فقالوا: استأذن لأولياء الله ،فقال: ائذن لهم ،فمرحباً بأولياء الله ،فلما دخلوا عليه سلَّموا ،فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى أيها الملك أنَّا صدَقْناك ؟لم يُحيُّوك بتحيِّتك التي تُحيَّ بها .فقال لهم: ما منعكم أن تُحيُّوني بتحيِّتي ؟فقالوا: إنا حيَّيناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة .قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه ؟قال: يقول: هو عبد الله ،وكلِمةٌ من الله ألقاها إلى مريم ،وروحٌ منه .ويقول في مريم: إنَّها العذراءُ البتول .قال: فأخذ عوداً من الأرض ،فقال: ما زاد عيسى وأمُّه على ما قال صاحبكم قَدْرَ هذا العود .فكرِه المشركون قولَه ،وتغيَّرتْ وجوهُهم .قال لهم: هل تعرفون شيئا مما أُنزِل عليكم ؟قالوا: نعم .قال: اقرأوا فقرءوا ،وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى ،فعرفت كل ما قرءوه ،وانحدرت دموعُهم مما عرفوا من الحق .قال الله تعالى ذكره: ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنَّهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) الآية ."
( التفسير: 10/499-500ح12317 ) ،وأخرجه ابن أبي حاتم ( التفسير: سورة المائدة آية 83ح428 ) عن أبيه عن عبد الله بن صالح به ،ولفظه أخصر من لفظ الطبري .وإسناده جيِّد محتجٌّ به ،وتقدم الكلام عليه عند الآية 29 من سورة النساء .