قوله تعالى:{فما آمن بموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملايهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} الضمير في{قومه} عائد على موسى ؛أي ما آمن له أول الأمر إلا طائفة من ذراري بني إسرائيل .وهم أولاد من أولاد قومه .وذلك أن موسى دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون .ومع طول الزمان مات الآباء وبقي الأبناء فآمنوا ،فقيل لهم ذرية ؛لأنهم كانوا ذرية من هلك ممن أرسلهم إليهم موسى .
وقيل: الضمير عائد على قوم فرعون ؛يعني: ما آمن لموسى إلا ذرية من قوم فرعون ،منهم: مؤمن آل فرعون ،وخازن فرعون ،وامرأة فرعون ،وامرأة خازنه .وقيل: الذرية بمعنى القيل .وهو قول ابن عباس .
وقوله:{على الخوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم} جمع الضمير في{وملائهم} لعدة أوجه منها: أن فرعون إذا ذكر علم أن معه غيره فعاد الضمير إليه وإلى من معه .ومنها: أنه إخبار عن جبار ،والجبار مخبر عن نفسه بلفظ الجمع فيقول: نحن فعلنا كذا وكذا .وقيل: في الكلام حذف مضاف وتقديره: على خوف من آل فرعون .فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه{[2021]} .والمعنى: أن هؤلاء آمنوا مع الخوف من فرعون أن يعذبهم فيصرفهم عن دينهم .
قوله:{وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} أي عات متجبر مستكبر .وهو كذلك من الغلاة في الطغيان والظلم ،المجاوزين الحد في الكفران .لقد بلغ فرعون من فظاعة الجحود والعتو أن ادعى الربوبية والألوهية لنفسه .لا جرم أن هذا عدوان فادح صارخ ؛بل إنه ذروة المغالاة في الاستكبار والاغترار الذي لا سبيل له في الدنيا إلا البوار ؛ليفضي بعد ذلك إلا الاستعار في النار{[2022]} .