قوله تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} بعد ما جمع الله ليوسف أبويه وإخوته وأهليهم وبسط عليه من الدنيا كل وجوه الكرامة والإعزاز والتمكين في الأرض وآتاه الله السعة في الملك والنعيم قال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} أي ملك مصر حيث السلطان وعلو المنزلة{وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي تعبير الرؤيا .وهذا من جملة العلوم التي يؤتاها أولو البصائر النيرة من المؤمنين الأخيار{فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}{فاطر} منصوب على النداء ؛أي يا خالق السموات والأرض{أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ} أنت عوني ونصيري ؛إذ تتولى أمري كله في الدنيا والآخرة .
على أنه ما ينبغي لأحد في شريعة أن يتمنى الموت وإن اشتدت به الخطوب وتكاثرت من حوله النوائب والمحن .فما ينبغي لمسلم في مثل هذه الأحوال من الشدة والكرب إلا أن يلجأ إلى الله بالدعاء ؛لكي يفيض على قلبه بالرحمة والسكينة ،وأن ييسر له الطاقة على الاحتمال والصبر ؛فيكتب عند الله في عداد الصابرين العابدين المخبتين .
وفي هذا الصدد روي الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ؛فإن كان ولابد متمنيا الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ،وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ){[2302]} .