قوله:{مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} نزلت في المشركين الذين أقروا بأن الله خالقهم وخالق كل شيء لكنهم مع إيمانهم هذا يعبدون مع الله آلهة أخرى كالأوثان ونحوها .هكذا قال أكثر المفسرين .وهذا ضرب من الإيمان المضلل المرفوض .الإيمان الذي يخالطه الإشراك بالله ،أو تتخذ معه الأنداد والآلهة المصطنعة لتكون شركاء لله .تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
ذلك أن الإيمان الصحيح لا يحتمل أيما صورة من صور الإشراك أو الازدواجية في الخضوع أو الخشوع أو الامتثال الذليل .فما من صورة من صور التوجه أو الاستسلام لغير الله مع الله إلا كان ذلك ضربا من ضروب الإشراك الذي لا يقام معه للإيمان وزن أو قيمة .
ويأتي في جملة الذين يؤمنون وهم مشركون ،أهل الكتاب الذين يجحدون رساله الإسلام أشد جحود ويكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم أيما تكذيب ،فضلا عن إشراكهم مع الله آلهة أخرى كعزيز والمسيح .
وكذلك المشركون الوثنيون الذين لا يجحدون الإيمان بالله البتة ،إلا أنهم مع إيمانهم هذا يعبدون مع الله آلهة أخرى كالذين يعبدون الصنم أو النار أو البقر أو غير ذلك من الطواغيت والجبابرة من الملوك ،أولئك جميعا مشركون لا يقيم الله لإيمانهم وزنا .
وكذلك المنافقون الذين يراءون الناس ؛فإنهم يندرجون في الذين يؤمنون بالله وهم مشركون ؛فليس لإيمانهم أو أعمالهم أيما اعتبار .روي الإمام أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟قال: ( الرياء ،يقول الله تعالى يوم القيامة- إذ جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا عل تجدون عندهم جزاء ؟) .
وعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك ؛فإنه أخفى من دبيب النمل ) فقال له من شاء الله: فكيف نتقه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟قال: ( قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن تشرك بك شيئا نعلمه ،ونستغفرك لما لا نعلمه ) .