قوله تعالى:{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا ( 77 ) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( 78 )} خرج موسى والخضر بعد المرتين الأوليين حتى أتيا أهل قرية ،أشحّة لئام ،فطافا في مجالسهم طالبين منهم الطعام والضيافة ( فأبوا أن يضيفوهما ) وذلك لفرط لؤمهم وشدة بخلهم .ولم يذكر في الآية اسم القرية .فاختلفت في ذلك أقوال العلماء على عدة أقوال ولا حاجة لتبيان ما ذكر في ذلك من أسماء مظنونة .والمهم هنا مضمون القصة عن أهل هذه القرية اللئام وعن تشريع الضيافة وحق الضيافة في التكريم .
وفي ذلك روى الشيخان عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن النبي ( ص ) قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ،ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ،ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
وروى الشيخان كذلك عن أبي شريح الخزاعي ( رضي الله عنه ) قال: سمعت رسول الله ( ص ) يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته "قالوا: وما جائزته يا رسول الله ؟قال"يومه وليلته ،والضيافة ثلاثة أيام ،فما كان وراء ذلك فهو صدقة "ويستفاد من ذلك وجوب إتحاف{[2855]} الضيف وذلك بإطعامه وإيوائه مدته المستحقة وهي يوم وليلة .وما بعد ذلك من أيام فإنه يكرم فيها استحبابا .
قوله: ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) ( ينقض ) من الانقضاض وهو السقوط{[2856]} .وقد أسند الإرادة إلى الجدار من باب الاستعارة ؛فقد كان الجدار مائلا يوشك أن يقسط ( فأقامه ) أي بناه فأعاده قائما .وقيل: هدمه ثم أخذ يبنيه من جديد ليرده قويا مستقيما ،وقيل: مسحه بيده وأقامه فقام .وهذا وجه الكرامات الخارقة للعادة التي يجريها الله على أيدي أنبيائه أو أوليائه .ثم لم يصبر موسى عن الاعتراض على إقامة هذا الجدار الآيل للسقوط فقال له: ( لو شئت لتخذت عليه أجرا ) أي ما كان ينبغي أن تعمل مجانا لهؤلاء البخلاء الأشحة فتبني لهم الجدار الآيل للسقوط ؛بل كان أجدر أن تطلب الجعل منهم في مقابلة عملك لكي نرد عن أنفسنا الضرورة .