قوله تعالى: ( قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ( 75 ) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ( 76 )} .
يقول الله جل وعلا لهؤلاء الضالين السفهاء الذين يفاخرون بزينة الدنيا وحظوظها من الأموال والأثاث وحسن المظهر ( فليمدد له الرحمان مدا ) جواب للشرط ( قل من كان في الضلالة ) والمدّ ،والإمداد بمعنى الإمهال والبسط{[2924]} .
والطلب أو الأمر بالمد هنا ،في معنى الخبر ؛أي من كفر بالله وضل عن سبيله وغفل عن الآخرة وتلهى بمتاع الحياة الدنيا ،مد الله له وأمهله بطول العمر واستدرجه بالعطاء من الخيرات والزينة ( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) أي لا يزالون غافلين عن الحق ،لاهين في التفاخر بالحظوظ الدنيوية إلى أن يعاينوا الموعود رأي العين وهو ( إما العذاب وإما الساعة ) ( إما ) ،حرف عطف ومن معانيها التفصيل .وكلا ( العذاب ) و ( الساعة ) منصوب على أنه بدل من قوله: ( ما يوعدون ) المنصوبة بقوله: ( رأوا ) وتفصيل للموعود{[2925]} ،والمراد بالعذاب ،ما كان في الدنيا من قهرهم واستيلاء المؤمنين عليهم .والمراد بالساعة ،أن تغشاهم غاشية القيامة بما فيها من نكال وأهوال .
قوله: ( فسيعملون من هو شر مكانا ) ( فسيعملون ) جواب للشرط .والمعنى: أن هؤلاء المكذبين الغافلين إذا عاينوا ما يوعدون من عذاب الدنيا والآخرة ،عندئذ سيعلمون مَن مِن الفريقين أسوأ حظا وشر مصيرا وعاقبة ( وأضعف جندا ) فقد كان المشركون التائهون اللاهون يتفاخرون بكثرة العشيرة والأنصار والرؤساء والوجهاء ،فإذا عاينوا الموت ثم سيقوا بعد ذلك إلى الحشر والحساب أيقنوا أنهم الأخسرون وأنهم لن تنفعهم زينتهم وأموالهم وأعوانهم من الرؤساء والزعماء .وأيقنوا أيضا أن هذه الفئة المؤمنة التي كانت في الدنيا موضع استسخارهم وتحقيرهم ،هم الآن الأعلون وهم الفائزون الآمنون .