قوله:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} هذان ركنان عظيمان من أركان هذا الدين تنبه إليهما الآية الكريم وهما: أن تقام الصلاة خير قيام من تمام التنفيذ وكمال الأداء حتى تكتمل فيها الصورة وافية من التكبير والقراءة والقيام والركوع والسجود والقعود ،وحتى يتحقق فيها الوعي والمضمون من خشوع وطمأنينة وإحساس تام بالخضوع والانقياد والتذلل لله وحده .
وكذلك أن تؤدى الزكاة ،يدفعها من يملك المال والنصاب إلى الذين يستحقونها من متكففين وعالة وذوي عوز وغير ذلك من وجوه مبينة مشروعة تؤدى فيها الزكاة ،وهاتان الفريضتان تتقدمان فرائض الإسلام ،وتحتلان مكان الصدارة من حيث الأهمية ،وهما يأتيان في طليعة الأعمال الكريمة التي سيجدها العامل أمامه بعد الموت .وسوف لا يجد إذ ذاك غير ما قدمه من خير الأعمال والأقوال والنوايا ،وما عدا ذلك من شؤون الدنيا ليس إلا متاعا تتلذذ به النفس حال الحياة حتى إذا جاء الأجل المحتوم ،باتت هذه المخلفات والرواسب التي يستمتع به الوارثون .
وجاء في الحديث أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال:"أيكم مال وارثة أحب إليه من ماله ؟"قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثة .قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):"ليس منكم من أحد إلا مال وارثة أحب إليه من ماله ،مالك ما قدمت ومال وارتك ما أخرت ".
وجاء في حديث آخر:"إن العبد إذا مات قال الناس: ما خلّف ،وقالت الملائكة: ما قدم "وهكذا يجد المرء ما قدمت يداه في دنياه من صالح القول والعمل ،يجد ذلك كله محتسبا له عند ربه من غير نسيان .والله سبحانه عالم بما صدر عن كل إنسان ،فلا تخفى عليه خافية ،ولا يغيب عن ملكوته من مثقال ذرة{إن الله بما تعملون بصير}{[113]} .