قوله تعالى:{وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكن من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون .ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم ،أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض،فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون .أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} كان مما أوجبه الله على بني إسرائيل في التوراة ألا يسفكوا دماء بعضهم بعضا ،وألا يخرجوا بعضهم من ديارهم .وقد نسب فعل السفك والإخراج للمخاطبين أنفسهم ،وكأنما هم أنفسهم يسفكون دماءهم بأنفسهم ،وكذلك يخرجون أنفسهم بأنفسهم من ديارهم ،والأصل في ذلك أن الأمة ذات الملة السماوية واحدة .هي أمة متحدة متعاونة كمثل الجسد الواحد المترابط الذي يشد بعضه بعضا ،فإن يشتكي كل جزء فيه لاشتكاء أي جزء سواه .وعلى هذا الأصل فإن الذين ينتسبون إلى الملة السماوية الواحدة يؤلفون من البشر المجموعة المتجانسة المتراصة التي لا تفرق بينها أنانيات ،ولا تشقها أحقاد أو عصبيات ،حتى إن الواحد من هذه الأمة إذا أوقع في غيره أذية فكأنما أوقع ذلك في نفسه بالذات ،وأيما مجموعة من أهل الملة الواحدة التي تقوم على التوحيد ،آذت غيرها كانت كمن يعتدي على نفسه ويلحق بذاته الشر والمكروه .
وقوله:{تسفكون} من السفك وهو الإراقة والصب .أما الديار فمفردها دار هي وهي مؤنثة سميت بذلك ؛لدورانها حول البيت الذي يقام فيها .
قوله:{ثم أقررتم وأنتم تشهدون} إقرارهم كان واقعا على الميثاق الذي طوقوا به أنفسهم وكانوا على ذلك شهودا .