قوله:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} ( رحمة ) ،منصوب على الحال .وقيل على أنه مفعول لأجله .وهذا إخبار من الله ،يخاطب به رسوله إلى الناس كافة ،محمدا ( ص ) ،معلنا فيه أنه رحمة للعالمين .والرحمة في اللغة بمعنى الرأفة والمغفرة والتعطف{[3064]} ،وهذه المعاني أو الصفات تأتي في ذروة الدرجات من الخصال الحسان في هذه الحياة .فلا عجب أن تكون الرحمة مسبارا تقاس به طبائع البشر .بل تقاس به المبادئ والشرائع ومختلف الثقافات ،والتصورات ؛للكشف عن حقيقتها ومدى صلوحها للعباد .فمن كانت سجيته القسوة والغلظة والفظاظة ؛فإنه أبعد الخلق عن الخير والصلوح لهداية الناس .لقد كان محمد ( ص ) مثالا كاملا وفريدا فيما تجلى فيه من جمال الطبع ،وروعة الخلق وكامل السجايا والأوصاف النفسية والعقلية والروحية فكان بذلك خليقا أن يكون رحمة للناس ،وأهلا لدعوة العالمين إلى الهداية والخير .
وكذلك الإسلام فإنه بكمال تشريعه وجمال عقيدته وما اشتمل عليه من عظيم المزايا والخصائص ،وفي طليعتها الرحمة ،فإنه بذلك كله للعالمين رحمة من الله .
وما ينبغي ذكره دائما أن محمدا ( ص ) قد بعث رحمة للعالمين .بما جبل عليه من كامل الصفات الخَلقية والخُلقية ،وجمال الفطرة الناصعة الفضلى .جاء عليه الصلاة والسلام بآيات الله البينات هاديا للناس ومبشرا ونذيرا .وذلكم الكمال العجيب المثير .كمال النبي الطهور المفضال ،الذي يعجز عن بلوغ معشاره النوابغ العظماء من عباقرة الإنس والجن .وكمال الكتاب الحكيم ،القرآن الرباني المبارك الذي يحمل للعالمين كل أطراف الحق والخير والسلامة والسداد مما يحقق لهم بالضرورة السعادة في هذه الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين .فلا جرم أن يكون محمد ( ص ) .بما أوتيه من عجائب الطبع وآيات الكتاب العظيم رحمة للعالمين .وليس أدل على ذلك مما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين . قال:"إني لم أبعث لعانا وإنما بعثتُ رحمة "وفي رواية أخرى لمسلم:"إنما أنا رحمة مهداة "{[3065]} .