قوله تعالى:{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( 83 ) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرب وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ( 84 )} .
نبي الله أيوب ،ذكر أنه رومي من نسل إسحاق بن إبراهيم .وهو ذو قصة عجيبة مثيرة تتردد على ألسنة البشرية طوال الدهر بما كرّمه الله به من حسن الثناء والذكر لفرط ما كان عليه من بالغ الصبر والعزيمة ؛فقد لقي هذا النبي العظيم من كبير البلاء ما يعزّ على البشر أن يحتملوه .فواجه ذلك بالاصطبار والثبات دون زعزعة أو خور أو تبرم إلا الدعاء والتضرع إلى الله .
وهو قوله: ( وأيوب إذ نادى ربه ) أي اذكر أيوب حين دعا ربه في خشوع وتوسل ورضى بما صنع فيه .وجملة ذلك: أن الله بعثه للناس نبيا ورسولا ،وبسط عليه من الدنيا الخير الكثير ؛فكان كثير الأهل والمال والولد .وقد ابتلاه الله أشد ابتلاء ؛إذ أمات كل ولده وأذهب عنه ماله جميعا ،وابتلاه بالمرض في بدنه سنين طويلة ،قيل: سبع سنين ،وقيل أكثر .وقيل: ابتلاه الله بمرض الجذام أصاب سائر بدنه ،فنفر منه الناس وعافوه وزهدوا في الدنو منه أو مجالسته باستثناء زوجته الصالحة ؛فقد كانت تقوم بأمره ،وتصلح شأنه ما استطاعت .وقيل: إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله .
وفي هذه الحال العصيبة من شدة البأساء والضراء ،وموت الأهل والولد ،وانقطاع الصحب والخلان يتوجه هذا النبي العظيم الصابر إلى الله متضرعا متوسلا يدعوه في غاية الخضوع والصبر والطاعة بقوله: ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) الألف واللام في الضر للجنس لتعم الضر في الأهل والمال والبدن وقيل: الضر بالضم خاص بما في النفس من مرض وهزال .وبالفتح ،ما كان شائعا في كل ضرر .
قوله: ( وأنت أرحم الراحمين ) لم يصرح بل اكتفى بذكر ما حل به من بلاء ،وما يتجلى في ربه من صفة الرحمة البالغة .وهو يرتجي بذلك أن يكشف الله عنه ما أصابه .وهذا غاية في كمال الطاعة والتأدب مع الله في حسن الطلب .