قوله تعالى:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِ الْمُجْرِمُونَ} ذلك إخبار من الله عن مقالة قارون لقومه حين نصحوه ووعظوه كيلا يكون من البطرين ،وأن يلتمس الدار الآخرة بنا أوتيه من المال والخير فقال لهم:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} أي أوتيت هذا المال على استحقاق لما عندي من العلم الذي فضلت به على الناس ،إذ كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة ؛أي أوتيته على علم بالتوراة ؛فقد روي أنه كان من أعلم الناس بالتوراة ومن أقرئهم لها ،وكان أحد العلماء السبعين الذين اختارهم موسى للميقات .وقيل: أوتيت هذا المال لعلم الله بأني أستحقه ولمحبته لي ،ولأن الله يعلم أنني أهل لهذا المال .
قوله:{أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} وذلك رد من الله لاحتجاج قارون ،إذ يزعم فيه أنه أوتي هذا المال بفضل علمه ،ولأنه يستحقه ،فبين الله سبحانه أنه أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشا وأكثر أموالا ،ولو أن المال يدل على فضل صاحبه وأنه مرضيّ عند ربه لما أهلك الله السابقين من أولي الأموال .
قوله:{وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِ الْمُجْرِمُونَ} المراد بالسؤال هنا: ما كان للتقريع والتبكيت وليس للاستعتاب ؛أي لا يُسأل المجرمون سؤال استعتاب ،كما قال سبحانه:{ولا هم يستعتبون} فهم يعذبونه بغتة دون معاتبة ،ولا يُسألون سؤال استفهام فإن الله مطلع على قلوبهم وأعمالهم{[3529]} .