قوله تعالى: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) يحذر الله عباده المؤمنين في هذا البيان البليغ تحذيرا شديدا أن يكونوا كالذين خلوا من قبلكم وهم أهل الكتاب ؛إذ تفرقوا واختلفوا .ومعناهما واحد وذكرهما للتأكيد .وقيل: بل معناهما مختلف: فقد تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الدين .وقيل غير ذلك .
والمقصود تحذير المسلمين مما آلت إليه حال الأمم السالفة في تفرقهم إلى ملل وطوائف شتى ،واختلافهم فيما بينهم اختلافا متباينا بسبب ركونهم للهوى وطاعتهم للنفس الجانحة للسوء واستسلامهم للطبع الخسيس الغلاب ألا وهو الحسد .يحذر الله هذه الأمة من الشقاق والفرقة والانقسام والتمزق طمعا في مكاسب دنيوية رخيصة ،أو جريا وراء هوى جامح منحدر يهبط بصاحبه إلى أحط الدركات من الإسفاف والضعة والحقار .
يحذر الله من كل ظواهر التدابر والخصام من غير يقين في ذلك ولا برهان إلا محض الثرثرة واللغط واستمراء الجدل العقيم ،أو انقيادا للوثة الحسد البغيض .
قوله: ( من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لأهم عذاب عظيم ) ذلك شأن أهل الكتاب فقد جاءتهم البينات وهي الآيات الواضحة التي تبين لهم الحق في غير إبهام والتي توجب الألفة والاتفاق وعدم الاختلاف ،لكنهم مع ذلك تفرقوا واختلفوا .لا جرم أن عاقبة أولئك السوء وهو العذاب العظيم .فحذار أيها المسلمون أن يصيبكم ما أصابهم إذا نكصتم على أعقابكم فعصفت بكم رياح التفرق والاختلاف{[562]} .