قوله تعالى: ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )
المراد بالفريق في هذه الآية جماعة من اليهود كانوا يلوون ألسنتهم بالكتاب ،وهو من اللّي ،وهو عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج .يقال: لوى برأسه أماله وأعرض ،ولوى الحبل أي فتله ،والتو فلان إذا غير أخلاقه عن الاستواء إلى ضده{[501]} .
والمقصود هنا أن اليهود كانوا يلوون ألسنتهم بالكتاب ،وهي التوراة ،أي يحرفون كلام الله فيها عن مواضعه تحريفا ،ويبدلونه تبديلا ،ثم ينسبونه ؛إليه ليوهموا الجهلة أن هذا المحرف المبدل كلام الله ،وهو في الحقيقة كذب على الله ،وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا على الله فيما صنعوا .
وذكر الرازي في تأويل ( يلوون ألسنتهم ) وجهين: أحدهما: أن معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركات الإعراب تحريفا يتغير به المعنى ،وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية ،وهو قول القفال .
ثانيهما: أنهم كتبوا كتابا شوشوا فيه نعت محمد صلى الله عليه و سلم وخلطوه بالكتاب الذي كان فيه نعت محمد صلى الله عليه و سلم ثم قالوا: ( هذا من عند الله ) .وهذا تأويل ابن عباس .