قوله تعالى: ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم عل ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معهم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون .)
اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا بالإيمان ،وأن يأمر بعضهم بعضا بذلك ،وذلك معنى النصرة بالتصديق ،وهذا ظاهر الآية ،وهو قول فريق من أهل العلم فيهم سعيد بن جبير وقتادة وطاووس والحسن البصري وغيرهم .وجملة القول في هذا التأويل أن الله أخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر .وقوله: ( لما ) اللام لام الابتداء .وما بمعنى الذي وهو مبتدأ وخبره: من كتاب وحكمة .
الوجه الثاني: أن المراد من الآية أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يأخذون الميثاق من أممهم بأنه إذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يجب عليهم أن يؤمنوا به وأن ينصروه على أن الذين أخذ عليهم الميثاق ليسوا هم النبيين ؛لأنهم عند بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في زمرة الأموات ،بل إن الذين أخذ عليهم الميثاق هم أمم الأنبياء وهو قول كثير من العلماء .قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ،وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه .
قوله: ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) أوجب الله الإيمان به ثم الاشتغال بنصرته ،واللام لام القسم ،كأنه قيل: والله .
قوله: ( قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) الإقرار معناه الإذعان للحق{[506]} . والإصر: العهد .والمعنى أنه بعد أن أخذ الله ميثاق النبيين بالإيمان والتصديق والنصرة قال لهم: ( أأقررتم ) يعني بالميثاق الذي واثقتموني عليه من أنكم لسوف تؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ،أو أن يؤمن كل نبي فيكم بكل نبي يأتي بعده .( وأخذتم على ذلكم إصري ) أي عهدي ،ثم يستشهدهم الله على ذلك فيشهدون على أنفسهم وعلى أتباعهم بما عاهدوا الله عليه ،والله جلت قدرته يشهد معهم على ذلك وهو خير الشاهدين .