وقوله: ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) ذلك تبيين مفصّل لقوله سبحانه: ( قل كل من عند الله ) وإيضاح لما فيه من إجمال .فإن ما يصيب الناس من خير عميم كالرزق والخصب والنصر كل ذلك بفضل من الله ومنّة .لكن ما يصيبهم من بلاء وكروب وشدائد فذلك من أنفسهم ،أي بسبب معاصيهم وما اقترفوه من آثام ومحظورات .والله سبحانه يبتلي عباده بضروب من البلاء جزاء ما اكتسبوا من أخطاء ،وذلك على سبيل الجزاء الذي تتكفّر به السيئات .وفي الحديث الشريف:"لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ".
وفي حديث آخر عنه ( ص ):"والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همّ ولا حزن ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله عنه بها من خطاياه ".
قوله: ( وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ) رسولا ،مصدر مؤكد بمعنى إرسال وشهيدا منصوب على البيان .ذلك تثبيت لفؤاد النبي ( ص ) لكي يمضي على الطريق فلا تهزّه الصعاب ،أو تنال من عزمه واصطباره الرياح السوافي التي تعصف بالضعفة من الناس والتي يثيرها المنافقون واليهود من حين لآخر .وهو عليه الصلاة والسلم مبعوث من ربه للناس ليبلغهم دعوة الله ،وهي دعوة الحق التي لا يقوى على الاضطلاع بأدائها إلا أولوا العزائم الكبيرة من الرجال .ويكفي أن يكون الله- جلّت قدرته- وهو الشاهد على نبوّة الرسول وصدق رسالته ( ص ){[793]} .