قوله:{ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} أي ليس المسيح إلا رسولا كغيره من الرسل المتقدمين .فهو من جنس الرسل الذين سبقوه .ولئن جاء المسيح بآياتمعجزات فقد أتوا من قبله بآيات معجزات فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده ،فقد أحيا الله العصا وجعلها حية تسعى وفلق البحر على يد موسى .وإن كان خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب ولا أم .
قوله:{وأمه صديقة} مبتدأ وخبره .أي وكذلك ،ما أمه إلا كسائر النساء أولات الصدق ،المصدقات للأنبياء ،المؤمنات بهم .وقيل في تأويله{صديقة} أنها صدقت بآيات الله وكتبه .وقيل: اتصافها بالطهر والعفة وبالغ الشرف .
قوله:{كانا يأكلان الطعام} الأكل دليل على الحاجة إلى الطعام عقب الجوع .والحاجة من أقوى الأدلة على أنه ليس إلها .فالله غير محتاج لشيء أو لأحد .وأما الجوع فإنه لو كان واحد منهما إلها لدفع عن نفسه ألم الجوع من غير طعام أو شراب .فدل ذلك على أنه ليس إلها .قال القرطبي عن عبودية المسيح في هذه الآية: إنه مولود مربوب .ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين .فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا ؟!
قوله:{انظر كيف نبين لهم الآيات} هذا تعجيب من حال هؤلاء المكابرين الذين يدعون الربوبية للمسيح وأمه .انظر كيف نبين لهم الدلائل القطعية التي تصدع ببطلان قولهم .
قوله:{ثم انظر أنى يؤفكون} يؤفكون ،من الأفك بفتح الهمز .وهو مصدر أفكه أي قلبه وصرفه عن الشيء .وكل مصروف عن الشيء مأفوك عنه{[1025]} .
والمعنى: انظر كيف يصرف هؤلاء المعاندون السفهاء عن الحق الظاهر الساطع بالرغم من كل ما سبق لهم في ذلك من دلائل وبراهين{[1026]} .