التعبير عن الموقف بأسلوب المناجاة
ويستمر المشركون في ضلالهم وعنادهم وكفرهم ،وينتقل النبيّ من خط الدعوة المباشرة إلى أسلوب المواجهة بطريقٍ غير مباشر ،وذلك من خلال التعبير عن موقفه الحاسم الواضح مقابل موقفهم الرافض للإيمان من خلال الشك ،كما يظهرون ،أو من خلال العناد كما يبطنون .فقد يكون أسلوب المناجاة الذاتية في التعبير عن الموقف الحاسم في خطوطه العامة ،أكثر فاعليّةً من أسلوب الحوار المتبادل الذي يفرض على الإنسان الكثير من أدوات المواجهة التي تتحدى الجانب الذاتي في الإنسان ،بينما يتمثل هذا الأسلوب في عرض الفكرة ،بعيداً عن ردّ الفعل تجاه الآخرين ،ما يعطي له شيئاً من القوّة ،وكثيراً من الحريّة في الحديث عن التفاصيل .
رفض عبادة غير الله
{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي} فلم تقتنعوا بما عرضته عليكم من حججٍ وبيّنات ،فهذا شأنكم في ما تتخذون من مواقف لا بد لكم من أن تتحملوا مسؤوليتها ،أمّا أنا ،فعلى بيّنةٍ من أمري في ما أعتقده وأدعو له ،من خلال وضوح الرؤية للقضايا لديّ ،وقوّة الحجة عندي ،ولذلك فإني أرفض كل ما اتخذتموه من آلهةٍ{فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} من أصنام وأشخاص وموجودات كونيّة ،لأنكم لا ترتكزون على أساسٍ من علمٍ ومعرفةٍ ،كما أنكم لا تملكون أيّة قوّةٍ ذاتيّة في ما يتصل بحياة الأشخاص والأشياء{وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} ويملك أمر الحياة والموت ،فهو الذي يسيطر على الكون كله ،وهو الذي يجب أن يعبده الناس وحده ،لأنه هو الذي يملك كل شيء ،ولا يملك غيره شيئاً إلا من خلال ملكه .
{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وذلك من خلال إشراقة الحياة في قلبي وروحي وفكري التي تطل بي على معرفة الله في أرحب أفقٍ ،وأوسع طريق ،وأعمق مجال .وبذلك يكون الداعية هنا ،منسجماً مع دعوته من موقع الصدق والإيمان ،قبل أن يدعو الآخرين إلى الانسجام معها من مواقع التصديق والاقتناع ،فيكون قدوةً في حركة الإيمان في الفكر والروح ،كما هو قدوةٌ في حركة الممارسة العملية في الحياة ،فيلتقي الناس معه في إيمانه ،كما يلتقون معه في حياته المنطلقة في شخصيته .