{حَنِيفًا}: الحنف: هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة .
إقامة الوجه للدين الحنيف
وهنا يتحرك الالتفات في الحديث ،فينتهي دور المتكلم الذي يتحدث عن معاناته الذاتية في مسألة العبادة والإيمان من قاعدة الرفض لعبادة الآخرين وإيمانهم ،ويبدأ دور السامع الذي يقف في موقف المؤمن الخاضع الذي يتلقى التعليمات والأوامر الصادرة من الله في خطّ السير ومنهج الحركة .ويتحول النبي هنا إلى عبدٍ لله ينصت بخشوع ،ليتحركمن خلال الطاعةبخضوع ،ليؤكد التوحيد المطلق في حياتهكل حياتهمن خلال خط الاستقامة الذي يرتبط بالحقيقة في البداية ،ليتصل بها في نقطة النهاية ،بعيداً عن كل ميلٍ أو انحراف أو هروب .
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} إنه يمثل نهج الحياة الواحد ،الذي لا نهج غيره ،في ما يمثل من مصلحة الإنسان في الحياة .وبذلك كان الدين هو الهدف الذي ينبغي أن تتوجه إليه كل الوجوه في عملية تطلّعٍ والتفاتٍ ،وتتحرك نحوه كل الخطى في عمليّة لقاء وتواصل ،وتنطلق إليه كل الأفكار والمشاعر في عملية وعيٍ وانتماءٍ وتعاطف .ولهذا كان النداء الإلهي يؤكد على إقامة الوجه للدين ،بحيث تتصلب النظرة نحوه ،فلا تبتعد عنه ولا تميل إلى غيره ،ويتأكد الموقف معه .والوجه هنا كناية عن الذات والشخصية والكيان ،ليتحقق التزام الإنسان كله ،بالدين كله ،بفكره ومفاهيمه وشريعته وأسلوبه في الحياة ،بكل إخلاص ،في ما يتعلق به ،مع الميل عن كل شيء غيره{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الذين ينحرفون عن خط الاستقامة في العقيدة والعبادة والانتماء ،فيلتزمون غيره في ذلك كله .