يا أيها الناس ..قد جاءكم الحق من ربكم
وتنتهي السورة بالإعلان الحاسم الذي يريد الله فيه للنبي أن يحدد للناس الموقف النهائي في ما يتعلق بالدعوة إلى الإيمان بالله ،فليست القضية قضيته الشخصية ،لتكون الاستجابة له نفعاً ذاتياً يقدمه الناس له أو ليكون التنكر له ضرراً عليه ،ولا هي مسألة هيمنةٍ ذاتيةٍ يتحمل النبي مسؤوليتها عنهم من موقع السيطرة عليهم ،بل لهم ملء الحرية في تحديد الموقف من موقع إرادتهم وقناعتهم ليتحملوا هم المسؤولية .
القضية قضية حق لا ذات
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} فهو الكلمة الأخيرة التي لا كلمة بعدها ،لأنها كلمة الله التي يجب على الناس الارتباط بها من موقع القناعة والإيمان ،{فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} لأنّ الهداية تمثّل صلاح أمره وسلامة مصيره في الدنيا ،بسبب ما تنظِّم له من شؤون حياته على أساس الخير والمنفعة ،كما تمثِّل خلاصه في الآخرة ،من خلال ما تحقق من رضوان الله وما تنتهي إليه من دخول الجنة{وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} في ما يمثله الابتعاد عنها من الدخول في متاهات لا يعرف الإنسان نهاياتها ،وقد تنتهي به إلى النار في الآخرة ،{وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} فلا أملك إجباركم على ما لا تريدون ولا أتحمَّل مسؤوليتكم في ما تعملون أو تنحرفون ،لأنَّ دوري الكبير هو في عملية الإٍبلاغ والإنذار لتبقى لكم حرية الإرادة والاختيار .