{لِتَلْفِتَنَا}: لتصرفنا .
{الْكِبْرِيَآءُ}: الترفّع عن الانقياد .وقيل هي الملك وقيل العظمة والسلطان .
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} قالوها ،في عملية إنكارٍ للنتائج السلبيّة التي يواجهون من خلالها هزيمة كل مفاهيم الصنميّة المتخلّفة التي ورثوها من آبائهم ،فعاشتفي داخلهمفي مواقع القداسة الجاهلة التي ترى في الماضيبكل جهله وتخلّفهمعنى التقديس ،فلا يمكن أن يناقشه أحدٌ ،مهما كانت درجة الخطأ فيه ،لأنهم لا يميزون بين العاطفة التي تحكم علاقتهم بالماضي ،وبين العقيدة التي تخضع لاعتبارات الحق المرتكز على الحجة والبرهان ،ولو فكروا جيداً في المسألة ،لرأوا أن هؤلاء الآباء هم بشرٌ كبقية البشر ،فقد يصيبون الحقيقة ،وقد يخطئونها ،فلا بد من مناقشة فكرهم وعاداتهم وتقاليدهم ،تماماً كما نناقش فكر الآخرين الذين يعيشون معنا ،لأن الزمن لا يعطي للشخص أو للفكر معنى الحقيقة في حركته ،بل كل ما هناك ،أنه يفسح المجال للطاقة الفاعلة أن تتحرك في مجاله ،لتعبر عن نفسها بما تملكه من ملامح الحق والباطل ،وبذلك يصبح من حق أي إنسان يفكر بغير الطريقة التي يفكر بها الأقدمون ،أن يعمل ليغيّر الفكر الذي تركوه ،والبناء الذي بنوه ،فليس لأحدٍ أن ينكر عليه ذلك ،بل كل ما هناك أن لهم أن يناقشوه في طروحاته ،كما يناقش هو الآخرين ،في ما طرحوه .ولكن هؤلاء الذين واجهوا موسى لم ينطلقوا من موقع التفكير والإخلاص للحقيقة عندما أنكروا عليه ذلك ،وقالوا له:{أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ثم وجهوا خطابهم إلى موسى وهارون معاً ،{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ فِي الأرضِ} لأنهم يظنون أن الناس مثلهم لا ينطلقون من قاعدة الحق عندما يعارضون ،بل يعتبرون الدعوة الجديدة التي يثيرونها في الساحة وسيلةً من وسائل الإمساك بالسلطة ،والحصول على الامتيازات الاجتماعية والسياسية ،والوصول إلى مواقع الكبرياء في الأرض ،وبهذا كان موقفهم من موسى وهارون ،هو موقف الذي يدافع عن امتيازاته ،بمواجهة الامتيازات التي يريد الآخرون أن يكتسبوها في طموحاتهم وأطماعهم ،ولهذا أطلقوا الصرخة في وجه الرسولين الأخوين{وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} فافعلا ما تريدان ،فلن نستمع لكما ،ولن نفكر في ما تقولانه ،لأننا لن نتنازل عما نحن عليه من عقيدة وسلطة .