مناجاة يوسف( ع )
وهكذا انفصل يوسف عن الجوّ الذي يحيط به ،واستغرقت روحه في مناجاة لله ،تنسى كل الناس وتغيب عن كامل أجوائهم ،لتعيش الحضور مع الله في كل شيء ،فبينما هو يخاطب أباه ،إذا به ينسى ذلك ليخاطب الله سبحانه:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ} في ما مكنتني من الوسائل الكثيرة التي قفزت بي إلى مواقع الحكم والسيطرة على مقاليد حياة الناس ،{وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} وما استطعت به أن أفتح الحياة على مواقع الخير في الإنسان ،وأدفع الإنسان إلى البحث عن الحقيقة في كل جوانب ذاته وحركة كيانه ،{فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرضِ} وخالقهما على أساس القدرة والحكمة ،فكل شيءٍ فيهما مخلوقٌ لك ،وكل مخلوق بينهما عبدٌ لك ،وكل حركةٍ في داخلهما وخارجهما ،خاضعةٌ لقدرتك ،فمن يملك ،معك ،أي شيءٍ ،فأنت المالك لكل شيء ،ومنك تستمد الأشياء قوتها ،وعلاقتها… لا من غيرك ،{أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنُيَا وَالآخرةِ} بما تملكه من ولاية الخلق والقدرة والنعمة واللطف والرحمة ،فمنك أستمد سعادتي وهنائي في ما تتفضّل به عليّ من غفران ذنوبي وإدخالي الجنة التي وعدت بها عبادك المتقين ،ولم تبخل بها على عبادك الخاطئين التائبين ،الذين يتضرّعون إليك بقلوب نادمة على ما فرط منهم في جنب الله ،وهذا ما أريد أن أطلبه منك ،وأعيشه بين يديك ،في ما أستقبل به حياتي ومماتي ،{تَوَفَّنِى مُسْلِمًا} واجعل ختام حياتي إسلاماً بالروح والقلب واللسان ،كما كانت بداية حياتي كذلك ،{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الذين آمنوا بك من موقع الصدق في الإيمان ،وأصلحوا أعمالهم من موقع الإخلاص في العمل ،وساروا على منهجك في الحياة ،في ما يعملون به ،ويطرحونه من قضايا ،وأوضاع ومشاريع ...