الإيمان بالتوحيد يخضع لحسابات دقيقة
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} ربّما يؤمن هؤلاء ،ولكنه الإيمان الذي يمثل حالةً فكرية ،لا تلامس الشعور ،أو حالةً نظريةً لا تتحرك في الواقع ،أو حالة عاطفية لا تؤكدها الإرادة ،ولهذا فإن الإيمان عندهم لا يتحول إلى موقف يحدد موقعهم من كل الحالات المحيطة بهم ،بل هو مجرّد شبح في الذاكرة وصورةٍ في الذهن .أما الواقع فإنه يحتضن الكثير من أوضاع الشرك في الطاعة ،عندما يعصون الله ،ويطيعون غيره ،رغبةً أو رهبةً ،أو حينما يستغرقون في تعظيم ذات بشريّة ،حتى يصلوا بها إلى مستوى التأليه ،أو ما يقرب منها ،ويتوجهوا إليها في ابتهالاتهم كما يتوجهون إلى الله ،وينسبوا إليها الأفعال التي لا تنسب إلى الله .
وقد جاء عن أبي جعفر الباقر( ع ) في تفسير هذه الآية قال: «شرك طاعة ليس بشرك عبادة ،والمعاصي التي يرتكبون ،فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره ،وليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غير الله .»
وعن أبي عبد الله «جعفر الصادق( ع ) » في تفسير الاية قال: «هو قول الرجل: لولا فلان لهلكت ،لولا فلان لأصبت كذا وكذا ولولا فلان لضاع عيالي ،ألا ترى أنه جعل شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه ؟قال: قلت: فيقول: لولا أن الله منّ عليّ بفلان لهلكت ؟قال: نعم لا بأس بهذا » .
وفي هذا التفسير ،عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عن قول الله تعالى{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} قال: «من ذلك قول الرجل: لا وحياتك » .
وعلى ضوء هذا نعرف أن مسألة الإيمان التوحيدي بالله لا بد أن تخضع لحسابات دقيقة ،على مستوى الالتزام الفكري بالنظر إلى الأشياء ،فلا يمكن أن ترى مع الله أحداً ،أو تجعل أيّ مخلوق قريباً في نظرتك إليه ،من مستوى نظرتك إلى الله ،وألاّ تعطي أحداً من العباد موقعاً أعطاه الله لنفسه ،ولا تتكلم عنه بأسلوب أراد الله أن نتكلم به عنه .وهكذا يجب أن يمتد الأمر إلى العمل فلا طاعة إلا لله ،ولا التزام إلاّ بالخط الذي يرضاه وينتهي إليه ،ولا حركة إلا في إفاق شريعته حيث يلتقي التوحيد العبادي الذي يريد الله لنا أن نلتزمه بخط التوحيد العقيدي .
وبذلك نعرف كيف نعيش الشرك في كثير من مواقعنا الفكرية والعملية ،التي تتحرك في خط الغلو تارة ،أو في ما يقترب منه ،أو في خط الانحراف عن الخط الشرعي بالالتزام في طاعة غير الله ،الذي يتمثل في أكثر من مظهر من مظاهر عبادة الشخصية التي يكون الشخص فيها هو الأساس في القيمة ،ويكون الدين مجرد موقعٍ من مواقع عظمته ،فلا تنطلق عظمته ،في وعينا ،من دوره الديني ،بل تنطلق عظمة الدين من دوره هو .وهكذا نجد الإسلام يتأطّر بالشخص ،بدلاً من أن يتأطّر الشخص بالإسلام .