{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ} ليبدو الأمر طبيعياً لهم ،فلا يثير أيّ شك لديهم بوجود خطّة لإبقاء أخيه ،فلم يجد في أوعيتهم شيئاً مما أثار في نفوسهم الاطمئنان إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون اشتباهاً .وهنا كانت المفاجأة التي تنتظرهم:{ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} ووقفوا جميعاً أمام هذه الصدمة الكبيرة لا يعرفون ماذا يفعلون وكيف يفسرون الأمر بعد أن واجهتهم الحقيقة الصارخة .
{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} ودبّرنا له الحيلة في الوصول إلى هذه النتيجة السعيدة التي كان يحبّها ويرتضيها ،إنه التدبير الإلهي الخفي ،{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} لأن دين الملك وشريعته أن يسجن السارق أو يعاقبه ،ولكن الله ألهمه أن يُلزمهم بما تفرضه شريعة يعقوب ،فحصل على ما يريد ،ولعل هذا هو المراد بقوله:{إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} فإذا شاء أمراً هيّأ أسبابه ،{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} كما رفعنا مكانة يوسف بالعلم والتقوى ،فبلغ ما بلغه من الشأن ،{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} حسب ما تفرضه طبيعة اختلاف الدرجة في المعرفة ،وربما كان في هذا بعض الإيحاء بما يميز يوسف عن إخوته في العلم ،لأنهم كانوا يحملون بعض العلم حسب ما ذكر المفسرون .