{بَصَآئِرَ}: دلائل يبصر بها الناس .
{مَثْبُورًا}: هالكاً .
ليس للسحر أي عمق واقعي
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ} من الآيات البينات التي توحي بالقوّة الخارقة التي لا يملكها أيّ ساحر ،لأن السحر لا يمثل أيّ عمق في الواقع ،بل يمثِّل تغيير الشكل ،ويبعث الاهتزاز في حركة الصورة في وعي البصر… بينما تتحرك هذه الآيات لتصنع واقعاً جديداً في بعض مظاهر حياة الناس ،ما يدلّ على أنَّ هذه الأمور ليست من صنع البشر ،بل لم ينزلها{إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} لتكون{بَصَآئِرَ} تفتح عيون الناس ،الذين يكفرون بالله وبرسله ،على الحقيقة التي يرتكز عليها الإيمان ،ليفكروا في المسألة من جانب آخر غير الجانب الذي تعوّدوا أن يوجهوا التفكير نحوه ...وهذه هي مهمة الآيات التي ينزلها الله ،فهي ليست عرضاً للقوّة لينبهر الناس بها في حالةٍ انفعاليةٍ ،بل هي تحريكٌ للفكرة ليقتنع الناس بالحق من خلالها ،وليكتشفوا ما لا يستطيعون اكتشافه إلا من خلالها ،بفعل الضغوط التي يواجهونها في حركة العقيدة في حياتهم .
وهكذا أثار موسى ( ع ) أمام فرعون الحقيقة حول السر الذي يختفي وراء هذه الآيات ،ليفكر بذلك في اتجاهٍ جديدٍ .ثم انطلق ليردَّ التحدّي الذي مارسه فرعون ضدّه في مجال التجريح الشخصي ،فإذا كان يظنه مسحوراً لأنه دعا إلى الإيمان بالله ،فإن موسى ( ع ) يوجّه إليه الإنذار بالحقيقة المرعبة الحاسمة التي تنتظره ،وهي الهلاك:{وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يا فِرْعَونُ مَثْبُورًا} .والثبور هو الهلاك ،وقد عبَّر بالظن محاكاةً لأسلوبه في التعبير ،فالمسألة لدى موسى ( ع ) هي مسألة يقين بالمصير الذي ينتظر هذا الطاغية .وربما أراد موسى من هذه الكلمة شيئاً آخر غير ردّ الفعل لمسألة التحدي ،وهو إثارة الاهتمام لديه بالقضايا التي أثارها معه في موضوع الإيمان بالله ،والابتعاد عن السلوك الطغياني ،وذلك من خلال إثارة مسألة الهلاك أمامه في نطاق الجسد والروح ،ليعود إلى نفسه في فترة التأمل الذاتي ،أو في حالة الخوف النفسي ،في ما يمكن أن ينتظره من المصير المظلم في الدنيا والآخرة ،ولكن فرعون لم يرجع إلى نفسه ،ولم يركن إلى ربه ،فتعاظمت نفسه لديه ،وأخذته العزة بالإثم .وربّما كانت كلمة موسى ( ع ) عنصراً مثيراً مضاداً في طبيعة المواجهة .ولذا بادر ،كما يبادر الكثيرون من الطغاة ،إلى التصرف بطريقة طاغية استفزازية ،ليخنق هذه الانتفاضة الجديدة لحركة الحرية المنبثقة عن روح البسالة ،وليسحق الروح التي بدأت تثير في الساحة الكثير من حالات التململ الذي يقود إلى التغيير على أساس الإيمان بالله ،الذي يقود النبي موسى ( ع ) حركته تحت لوائه .