{زَهُوقًا}: الزهوق: الهلاك والبطلان .
{وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} أي إعلان الحقيقة على الناس دون خوف ،لأن مسألة إثارة الحق في وعي الناس لا يمكن أن تخضع لعوامل الإخفاء ،بل لا بد من التأكيد على الموقف في ساحة التحدّي ،ليعرف الناس كيف يواجهون الحياة من مواقعه ،لئلا يضيعوا في غمار الضلال ،وهذا ما جعل الأنبياء ينطلقون في دعوتهم للإيمان بالله والسير في طريقه ،بكل قوّةٍ وإصرار ومعاناة ،ويتحملون في سبيل ذلك كل الصعوبات ،ويقدمون أغلى التضحيات ...حتى فقد الكثيرون حياتهم من أجله .
إنه الإعلان المتحدي ؛لقد جاء الحق ،ودخل الساحة ،وسيفرض نفسه عليها ،وسيواجه كل الأعداء ،وسيهجم على كل المواقع ،بكل أدواته وأساليبه وخطواته العملية ،وزهق الباطل وهلك ،لأن الحق سوف يفضح كل نقاط ضعفه ،وسيكشف عن كل الزيف الذي يختبىء داخله ،وعن كل السحر الزائف الذي يبرز ملامحه بطريقة خادعة ...وسيواجه كل قواه ،وسيسقطه وينتصر عليه ،مهما امتد الزمن ،ومهما ارتبكت المواقف واهتزت المواقع ،فإن الحقيقة ستفرض نفسها ،ولو بطريقةٍ متحركةٍ ،تتقدم حيناً ،وتتأخر حيناً آخر .
{إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} لا يحمل عناصر البقاء الحقيقية التي تمنحه القدرة على الاستمرار والدوام ،إذ إنّه لا يملك عمق الثبات في ذاته ،بل كل ما هناك ،أنه يستعير عوامل القوّة من الأوضاع الخارجية التي تحيط بالساحة ،في عملية تجاذبٍ وصراعٍ .وهذا ما يريد الله للمؤمن أن يستوحيه في نفسه ،وأن يؤكده في ساحته ،وإن وقفت هذه العوامل في مواجهته على مستوى الفكر والسياسة والاجتماع .