{ذِكْراً}: خبراً .
من هو ذو القرنين ؟
وهذه شخصية جديدة تتميز بالإيمان والقوة والحركة والمسؤولية ...كانت مثاراً لأكثر من سؤال لدى القوم المعاصرين للرسول ،وهي شخصية ذي القرنين الذي قد يكون مذكوراً في التراث اليهودي ،وقد يكون منقولاً لدى مجتمع الدعوة في ما يتناقله الناس من أحاديث الشخصيات التي تختلط فيها الحقيقة بالأسطورة ،والخرافة بالعلم .
وقد لا نملك التاريخ الدقيق الذي يمكن أن يفصِّل لنا خصوصيات هذه الشخصية في موقعها من الزمان والمكان ،أو في طبيعة الملامح الذاتية .وقد أفاضت الأحاديث المأثورة المروية في تحديد اسمه ،وموقعه ،ومدة ملكه ،وفي سرّ هذه التسمية الغريبة التي تجعل له قرنين ،مما لا يكون إلاَّ للحيوان ،وهل هما من ذهب أم من فضة ؟وغير ذلك مما لا يخضع لقاعدةٍ أو يؤدي إلى نتيجةٍ .
وقد ورد في بعضها ما يمكن أن نستوحي انسجامه مع الوحي القرآني في تحديد شخصيته ،وذلك في ما رواه الشيخ الصدوق في «كمال الدين » عن الأصبغ بن نباتة ،قال: قام ابن الكوّاء إلى علي ( ع ) وهو على المنبر ،فقال: يا أمير المؤمنين ،أخبرني عن ذي القرنين ،أنبياً كان أم ملكاً ؟وأخبرني عن قرنيه ،أمن ذهب أم من فضة ؟فقال له: لم يكن نبياً ولا ملكاً ،ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة ،ولكن كان عبداً أحب الله فأحبه الله ،ونصح لله فنصحه الله ،وإنما سمي ذا القرنين ،لأنه دعا قومه إلى الله عز وجل ،فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً ،ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر .
وإذا صحت هذه الرواية ،فإنها تدل على أنه قد عاش الدعوة إلى الله في حياته ،من موقع المعاناة في خط التحدي والتحدي المضاد ،ما جعله عرضةً للاضطهاد ،كما هي حال الكثيرين من المصلحين المجاهدين الذين يعيشون الضعف الذاتي والمادي في مجتمعهم ،فيتعرّضون للضرب والاضطهاد من طغاة زمانهم ،ولكنه قد أخذ بأسباب القوة ،حتى أصبح يطوف البلاد من موقع القوة الضاغطة الكبيرة .
ولعل القرآن لا يستهدف من الحديث عنه إلا الجانب الإيحائي الذي يوحي بالعبرة في ما يتمثل في ملامحه من قوة الإيمان ،وقوة الشخصية ،وحركة المسؤولية الحاسمة أمام حالات الانحراف أو الاستقامة ،وتحريك القوة في معاونة الضعفاء ،والابتعاد عن النوازع المادية في ما يقوم به من جهد تجاههم .
وربما كان هذا هو النهج في القصص القرآني ،الذي لا يفيض في الحديث عن التفاصيل ،فيقتصر على رسم ملامح الصورة عن الأشخاص الذين يتحدث عنهم ،لأنه لا يعتبر القصة ملهاةً لإثارة الفضول وإشباعه ،لتكون الأمور الجزئية التفصيلية أساساً في حركة القصة ،بل يراها درساً فكرياً أو عملياً ،من خلال ما توحي به الملامح البارزة التي تمثل حركة القضية المطروحة في السير العملي للشخصيات .وقد نحتاج إلى استلهام هذا النهج في كتابة التاريخ ،لأن ما نستفيده للمستقبل من عبرةٍ لا يحتاج إلى سرد الكثير من تفاصيله ،وبذلك نبتعد عن الاستغراق في الملامح الذاتية للشخص العظيم ،نبياً كان أو إماماً أو ولياً أو زعيماً صالحاً ،إلا في ما يتصل بالمعنى الرسالي أو القيادي من ذلك .
قصة ذي القرنين
وهذا ما نريد أن نلتقيه في حركة القصة القرآنية في قصة ذي القرنين .
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ} لتكشف لهم غوامض شخصيته وخصوصية تاريخه ،ليتعرفوا عليها من خلال حديثك ،أو ليتعرفوا دقة معلوماتك ،عندما يقارنون بينها وبين ما يملكونه من معلوماتٍ حصلوا عليها من مصادرهم الموثوقة أو غير الموثوقة ،ليكون السؤال اختباراً لما تملكه من المعرفة .{قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} يمنحكم الفكرة والعبرة ،بعيداً عن الفضول الذاتي الباحث عن التفاصيل .