{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّه لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّه مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}ربما كانت هذه الآية تأكيداً للجوّ الروحي الإيماني الذي يريد القرآن ملء نفس الإنسان المؤمن به ،في ما جاء في الآية السابقة من قوله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ،فكانت هذه الآية من أجل دفع الإنسان إلى عيش هذه الحقيقة الإيمانية ،من خلال توجيهه إلى التفكير في ما حوله وفي ما فوقه من السَّماوات والأرض ،ليعرف أنها ملك اللّه الذي يحب أن يذعن له العباد ،ويخضعوا له ،ويرجعوا إليه في كلّ أمورهم ،ولا يتمرّدوا عليه ،ولا ينحرفوا عن سبيله مهما كانت درجة قوّتهم ومهما كانت قوّة الآخرين ،لأنهم سوف يواجهون الحقيقة الصارخة ،وهي أنهم لا يملكون من دون اللّه ولياً يرعاهم ويقوم بأمورهم ،لأنه القائم على الخلق كلّه ،ولا يملكون من دونه نصيراً ينصرهم منه ،لأنه خالق القوّة كلّها ،فلا قوّة أمامه مهما بلغت ...وهذه طريقة قرآنية جديرة بالوعي والتأمّل ،وهي الإيحاء الدائم بعظمة اللّه ،بالإفاضة في ذكر صفاته المليئة بأجواء العظمة في كلّ مورد يذكر فيه اسمه في القرآن ،ليظلّ الإنسان مشدوداً إلى عظمته في عملية تفكير وتدبّر وتأمّل ،وليعيش الحضور الروحي الدائم ،فلا ينفصل عنه في أية حالة من الحالات .
{ أَلَمْ تَعْلَمْ} يا محمَّد ،أو أيُّها الإنسان المؤمن ،{ أَنَّ اللّه لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ}من موقع أنه الخالق لها والمدبّر لأمورها والمهيمن عليها ،فهووحدهالذي يملكها بالخلق والسيطرة والقدرة المطلقة التي تحتويها وتحيط بها من كلّ جانب وتملك كلّ حركتها وكلّ ما فيها من المخلوقات ...فكيف تعصونه وتعبدون غيره وتتمرّدون عليهأيُّها النّاسولا تخافون عقابه ،كأنكم تملكون الولي الذي يتولى حمايتكم ،والناصر الذي ينصركم إذا أراد اللّه أن يأخذكم أخذ عزيز مقتدر ؟!ألم تعلموا أيها النّاس أنه ما لكم من إله إلاَّ اللّه{ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّه مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} ؟!