أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة:
{ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّه إِنَّ اللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}في هذه الآية ،يعقّب اللّه على أمره بالعفو والصفح عن أهل الكتاب ،بالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ،وبالوعد الحقّ بأنهم سيجدون عند اللّه كلّ ما يقدّمونه أمامهم من خير ،فإنه بصير بما يعملونه ،ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السَّماء .وهذه طريقة قرآنية تربوية ،في كلّ مورد من الموارد التي يوجّه فيها اللّه بعض الأوامر أو النواهي للنّاس ،فإنه يتبع ذلك بتكاليف أخرى تؤكد جانب الشخصية الإيمانية العملية في نفس المؤمن ،وبالحديث عمّا يلاقيه أمامه من الثواب الموعود لدى اللّه ،من أجل أن يظلّ منفتحاً على أعمال الخير بقوّة روحية تندفع إلى تحقيق إرادة اللّه من موقع الطاعة الواعية التي تواجه العقبات والمصاعب الداخلية والخارجية بروح إسلامية تعرف النتائج سَلَفاً ،فلا تتزعزع ولا تضعف ولا تنهار .وقد لا نحتاج إلى الكثير من الجهد ،لنعرف انسجام الصلاة وإيتاء الزكاة مع الأمر بالعفو والصفح ،لأنهما يفتحان قلب المؤمن على اللّه من نافذة العبادة ،وعلى الإنسان من نافذة العطاء ،فيحصل لهمن هنا وهناكالجوّ الروحي الداخلي الذي يعرف كيف يعفو ويصفح ويتسامح قربةً إلى اللّه تعالى .
{ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ}التي تقوّي عنصر الخير وتدفعكم إلى الصبر ،وتفتح عقولكم وقلوبكم على الانقياد للّه في ما يأمركم به من العفو والصفح ،لأنَّ الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى اللّه ،فيلتقي به في روحانية العبودية الخالصة التي تقرّبه منه ،وترتفع به إلى الدرجات العلى ،وتسمو به في آفاق اللّه حيث يتخفف من كلّ المشاعر الذاتية الانفعالية ،ليعيش التأمّل والتفكير في تركيز العلاقات مع الآخرين على القاعدة الروحية الثابتة .
{ وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ}التي تعيشون فيها روحية العطاء في تأكيد العلاقات المسؤولة بالآخرين ،في مواجهة المشاكل الصعبة التي يعانون منها ،فتزدادون وعياً لمتابعة الواقع العام من حولكم في نظرتكم إلى هؤلاء ،فلا تتحرّكون من داخل العقدة بل من داخل المصلحة العامة في مواقع رضى اللّه ؛وذلك هو ما تقدّمونه بين أيديكم للّه امتثالاً لأوامره ،{ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ}من الطاعة والإحسان والخير المتحرّك في الإنسان الآخر ،
{ تَجِدُوهُ عِندَ اللّه}ثواباً ورضواناً وجنّة ونعيماً .{ إِنَّ اللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}لأنَّه الذي يعلم ما تسرّونه وما تعلنونه من قضايا الخير في الواقع الداخلي أو الخارجي من ذواتكم ،فيمنحكم جزاء ذلك خيراً وإحساناً .