أهل الكتاب بين الأماني والحقائق:
هذا فصل جديد من السورة ،يدخل فيه القرآن معهم في حوار غير مباشر ،أو يوحي للنبيّ بالدخول معهم في ذلك ،وهو جزءٌ من حملة التوعية العملية للمسلمين لمعرفة ما حولهم ومَن حولهم ،وأسلوب من أساليب التعرية للواقع الداخلي لهذه الجماعات من خلال الأوهام الساذجة التي يحملونها عن مصيرهم ومصير غيرهم من النّاس من دون استناد إلى ركن وثيق ،فهم يحسبون أنَّ الجنّة محجوزة لليهود وللنصارى ،فهذا هو ما يقوله اليهود عن أنفسهم ،وما يقوله النصارى عن أنفسهم .
طلب البرهان على صدق دعواهم:
{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجنّة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}ولكنَّ القرآن يواجه هذه الأوهام بتعليق ساخر مهذّب:{ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} ،ولكلِّ إنسان مطلق الحرية في تمني ما يشاء لنفسه ،فإن مساحة الأماني الذاتية واسعة سعةَ الخيال ،فإذا كانت كلماتهم هذه من وحي التمنيات ،فلتكن لهم حريتهم في إطلاقها كما يريدون ،وإذا كانت من وحي العقيدة التي تحدّد للإنسان مصيره الذي يبني عليه حياته ،فلتكن المواجهة من باب النصيحة والتحدّي .{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ}على ذلك ،بتقديم الأسس العقيدية التي تحدّد للإنسان قضية المصير في الآخرة من الجنّة والنّار ،{ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}في هذه الدعوى ،لأنَّ الصدق يتطلّب الإثبات الذي ترتكز عليه القناعة العقلية والوجدانية ،وهذا ما يفقده هؤلاء في ما يملكونه من وسائل الإقناع والإثبات .