{ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}باللّه ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر{ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} التي أراد اللّه لعباده أن يأخذوا بها في حياتهم الفردية والاجتماعية وفي علاقاتهم العامة والخاصة ،فكانوا التجسيد الفكري للحقّ ،والواقع المتحرّك للخير ،الأمر الذي يجعلهم في موقع القرب من اللّه ،فلا يزدادون إلاَّ خيراً وطاعة ومحبة وانقياداً له ،{ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجنّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فهم أهلها ومجتمعها ،وهم الذين يمثّلون أخلاقيتها المنفتحة على الروح والرضوان ،ويجدّدون لها حيويتها وحركيتها في إنسانيتهم الخيّرة التي عاشت مع اللّه وانتهت إليه في مواقع القرب عنده .
العاملون أمام الامتيازات الطارئة:
وقد ينبغي للعاملين في حقل التوعية والدعوة الإسلامية ،أن يركزوا على هذا الجانب في المفهوم الإسلامي الأصيل للقرب من اللّه والبعد عنه ،فلا يسمحوا للامتيازات الطارئة التي توزع الجنّة والنّار بين النّاس على أساس أنسابهمحتى ولو كان النسب مرتبطاً برسول اللّهأو على أساس انتماءاتهم المذهبية من دون أن يكون لذلك أيُّ أثر في سلوكهم العملي وتطلّعاتهم الروحية ،لأنَّ ذلك يتنافى مع المفهوم القرآني ،الذي يُعتبر الأساس في صحة أيّ مفهوم وفساده ،فإذا كان القرآن يطرح القضية في موقع الإيمان والعمل ،فكيف يمكن أن نجرّد المقياس من العمل فنعتبره ثانوياً ونبقي على جانب الإيمان وحده ؟!ثُم هل يمكن أن نكتشف الإيمان الحقّ إلاَّ من خلال العمل ؟!أمّا ما يُخيّل وجوده لدى بعض النّاس من عاطفةٍ إيمانية ،إزاء بعض المقدسات أو الروحيات ،فإنها قد تدخل في نطاق التربية العاطفية ،التي يعيشها الإنسان في طفولته أو في بيئته ،بعيداً عن جانب العقيدة عنده .
وقد يحاول البعض أن يُدخل قضية الاستثناءات المطروحة في باب العام والخاص أو المطلق والمقيد ،ممّا اعتاد الفقهاء والأصوليون إثارته في كلّ قضية من القضايا الشرعية التي يقف فيها الإنسان بين أمرين ،أحدهما يدل على الإطلاق ،والآخر يدل على التحديد ،فيحملون المطلق على المحدود ،فيركزون بذلك الاستثناءات في القاعدة .
ونحن لا نمانع في القضية من ناحية المبدأ ،فإنَّ هذه القاعدة اللغوية تُعتبر من بين القواعد المسلّمة في أساليب اللغة العربية ،لأنَّ أي متكلّم قد يجري في أسلوبه على إصدار القاعدة من دون قيود لتكون أساساً عاماً يرجع إليه في حالات الشك ،ثُمَّ يُتبعها بالاستثناءات في أدلة مستقلة لتكون دليلاً على التقييد .ولكن هذا لا يجري في الحالات التي تدخل في نطاق الضوابط العامة التي يُراد منها التحديد المطلق من أجل إعطاء المفاهيم الأساسية العامة ،فقد يدخل ذلك في سياق العموميات أو المطلقات الآبية عن التخصيص أو التقييدكما يقول الأصوليونولا سيما في أمثال هذه القضايا التي يشعر معها الإنسان ،بأنَّ المفهوم المطروح في الآية ينسجم مع طبيعة العلاقة التي تربط اللّه بعباده ،حيث لا أساس لأيّ شيء ذاتي في هذا المجال ،لما ذكرناه من تساوي الخلق أمام اللّه في كلّ الامتيازات المتوهمة ،فلا يبقى إلاَّ العمل المستند إلى الإيمان .
أمّا حديث المغفرة في غير حالة الإشراك باللّه ،فهذا لا يدخل في نطاق حديثنا ،لأنَّ حديثنا يرتكز على أساس الاستحقاق .أمّا المغفرة وعدمها ،فإنها تدخل في نطاق التنفيذ ،فقد أخذ اللّه على نفسهبرحمته ولطفهأن يعفو عن المذنبين الذين يستحقون دخول النّار أو الخلود فيها ،وذلك بلحاظ بعض الأعمال أو النيَّات التي تجعل الإنسان موضعاً لرحمة اللّه .
وخلاصة الحديث ،أنَّ من الضروري التركيز على هذا المقياس في الثواب والعقاب في التربية الإسلامية للمؤمنين ،ليكون ذلك حافزاً لهم على تنمية الإيمان والعمل في حياتهم ،ليتقرّبوا بذلك إلى اللّه طمعاً في نيل رضاه ،ولا يستسلموا للامتيازات الطارئة ،بحيث يتركون العمل ،أو يتهاونون فيه اعتماداً على ما يخيّل إليهم من أسباب الأمان .