يرثها عبادي الصالحون
كيف يجب أن يفكر أتباع الرسالات الذين يعيشون الإيمان فكراً وموقفاً ومنهج حياة ؟هل يواجهون المستقبل الذي يتحرك من حاضر مليء بالصعوبات والتحديات التي يمثلها الكافرون والمنافقون والمشركون والضالون ،وقوى الشر والظلم والطغيان ؟هل يتساقطون في وهدة اليأس أمام ذلك كله ،أو يتماسكون في مواقفهم ،ليتطلعوا إلى الأمل الكبير القادم من وعد الله لعباده الصالحين بالنصر الرسالي في نهاية المطاف ؟
إن الله يوحي إلى المؤمنين الصالحين بأن المسألة لا تحتمل الشك ،بل هي في حجم الحقيقة الكونية التي يمثلها التكوين الإلهيّ في نهاية الحياة .
ولهذا فإن عليهم أن يتابعوا الجهاد في كل المواقع ،ويؤكدوا الرسالة في جميع المواقف ،ليثيروا قضايا الحق في كل مجالات الحياة ،وكل مواقع الإنسان ،ويتحملوا الكثير الكثير من المشاكل والآلام والتضحيات ،لأن ذلك هو الذي يحقق للمستقبل ثباته وقوّته ،ويدفع به إلى الآفاق الرحبة في موعد الشروق .
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} الذي أنزله الله على داود( ع ){مِن بَعْدِ الذِّكْرِ} وهو التوراة ،كما قيل ،لأن الله سمّاها به في قوله تعالى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [ النحل:43] .وقيل: هو القرآن ،لأن الله أطلق عليه ذلك في أكثر من آية ؛{أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} فيسيطرون عليها سيطرة حكم وقيادة ورسالة ،فينفذون برنامج الرسالات الذي يحوّل الأرض إلى ساحة للإيمان بالله ،وإطاعة لأوامره ،وربما يضاف إلى ذلك وراثة الأرض ،في ما وعد الله عباده المتقين منم وراثة الأرض التي تطل على الجنَّة التي يتبوّأون فيها مواقعهم كما يشاءون .
فهم الذين يرثون الحياة كلها في الدنيا والآخرة ،ليشعروا بالثقة بأن الأرض ليست مجرد فرصة للأشرار في حكمهم وعبثهم وفسادهم ،بل قد تكون ،ولو في نهاية المطاف ،فرصة للأخيار من أتباع الرسالات ،لينطلقوا بالحركة الرسالية لتشمل الحياة كلها في مواردها ومصادرها وأوضاعها وأشخاصها ..،ليكونوا هم الجيل الأخير للبشرية الذين يسلمون الحياة إلى الله في الأرض على خط الأمانة التي حمّلها للإنسان ليؤدّيها الى أهلها كاملةً غير منقوصة ،وليتسلموا من الله مواقعهم من رضوانه ومن جنته .
وقد كثرت الأحاديث المروية عن النبي( ص ) وعن أهل بيته وأصحابه ،بأن الإمام المهديّ( ع ) هو الذي يرث الأرض مع أصحابه الصالحين ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .